مفهوم لماذا كان موقف لبنان في الجمعية العمومية الأخيرة للأمم المتحدة، يوم الجمعة الماضي، الذي اتخذ قراراً ضد النظام السوري بأكثرية مئة وثلاثة وثلاثين صوتاً، فهي أي لبنان، دولة جعلها موقعها الجغرافي عرضة، دائماً وأبداً، لاستبداد الشقيقة الكبرى التي تحتضنها من الشرق والشمال، في حين يطوقها البحر من الغرب، و"العدو" من الجنوب، ولا حول ولا قوة إلا بالله! أما بالنسبة إلى الجزائر، الدولة التي قدم شعبها العظيم في معركة حريته واستقلال بلده مليوناً ونصف المليون شهيد، والتي عرفت طريق هذا الربيع العربي مبكراً، فإن موقفها مستغرب وغير معروف، لماذا اتخذت هذا الموقف الذي اتخذته؟ ولماذا تربط نفسها بنظام استبدادي طائفي من المفترض أنها أول المتبرئين منه، وأول المساندين للشعب السوري الذي كان وضع الثورة الجزائرية في بؤبؤ العين واعتبرها استكمالاً لثورته ضد المستعمر نفسه وضد المحتل إياه. غير معروف ما هي الحسابات التي بنَتْ عليها الجزائر موقفها إزاء كل هذا الذي بقي يجري في سورية منذ مارس العام الماضي وحتى الآن، والمفترض أن الشراكة القديمة تعود إلى بدايات ستينيات القرن الماضي بين حكم البعث، قبل أن تعصف به رياح انقلاب فبراير 1966 وانقلاب حافظ الأسد في نوفمبر عام 1970، وبين عهد هواري بومدين رحمه الله الذي كانت زيارته إلى دمشق أول زيارة له بعد إطاحة أحمد بن بللا وإزاحته عن الحكم. في كل الأحوال، ليس المستغرب أن تصوت موريتانيا مع المصوتين، فرئيسها محمد ولد عبدالعزيز باتت مواقفه محكومة بمعارضة داخلية نشطة وفاعلة وبتعاطف شعب حيوي ومُسيَّسٍ هو الشعب الموريتاني القومي بفطرته الذي من المؤكد أن قلوب أبنائه الآن مع الشعب السوري الذي دفع ولا يزال يدفع، من أجل حريته واستبدال هذا النظام الاستبدادي بنظام ديمقراطي تعددي، كل هذه الدماء الزكية، بل المستغرب أن يكون اسم العراق إلى جانب أسماء الدول العربية التي صوتت على هذا القرار الذي اتخذته الجمعية العمومية يوم الجمعة الماضي. لقد بقيت بغداد تتخذ إزاء الأزمة السورية منذ بدايتها موقفاً رمادياً موارباً، ليس لنقصٍ في قوميتها وعروبتها، بل لأنها غدت محكومة بمعادلة داخلية هي محصلة لثقل التأثير الإيراني على القرار العراقي، وبخاصة في اتجاه سورية التي كان ربطها حافظ الأسد منذ بدايات عقد ثمانينيات القرن الماضي بالولي الفقيه في طهران والحوزة الإيرانية في "قُم" والتي أصبح قرارها الحقيقي والفعلي، للأسف، بيد علي خامنئي أكثر منه بيد بشار الأسد، الذي وضعته تصرفاته الخاطئة في هذا الوضع المأساوي الذي لا يُحسد عليه. كان المنتظر أن يكون شبح نوري المالكي في قاعة الأمم المتحدة، وبالتالي أن يكون موقف العراق بالامتناع عن التصويت كما فعلت الجزائر وكما فعل لبنان، أمَّا أن تتخذ بغداد هذا الموقف المباغت الذي اتخذته فإن هذا يعني أموراً كثيرة، إمّا أن القرار خرج من يد رئيس الوزراء العراقي الذي بقي يتصرف كمندوب إيراني في العاصمة العراقية وليس كرئيس حكومة دولة مستقلة، وإمّا أن هناك صفقة عراقية داخلية يجري ترتيبها واقتضت أن يكون الموقف الرسمي إزاء هذه المسألة هو هذا الموقف، وإمّا أن وزير الخارجية "كاك" هوشيار زيباري لم يعد يلتزم بتوجيهات رئيسه بمقدار التزامه بقناعاته، وبالواقع المضطرب الذي تعيشه الآن أطراف هذه المعادلة العراقية التي جعلت وزير خارجية تركيا يزور كركوك رغم أنف الحكومة المركزية في المنطقة الخضراء في هذه المدينة التاريخية التي كانت ذات يوم بعيدٍ عاصمة الرشيد... أهم خلفاء الدولة العباسية.
Ad