راحة سلبية !

نشر في 03-07-2012
آخر تحديث 03-07-2012 | 00:01
No Image Caption
 د. ساجد العبدلي لا أتصور أننا بحاجة اليوم إلى تكرار ما قلناه وقاله الكثيرون لمرات عديدة بأن المحاولات التقليدية المباشرة لفرض الرقابة والمنع على الكلمة المطبوعة، والفكر عموما، ما عادت تجدي نفعا اليوم في زمن الإنترنت والفضاء الإلكتروني المفتوح وشبكات التواصل الاجتماعي، خصوصا مع تزايد سرعة نقل المعلومات بشكل خارق، إلى الحد الذي صار من الممكن معه جلب عشرات الكتب المكونة من آلاف الصفحات خلال دقائق معدودة، ولهذا فقد استغربتُ كثيرا حين أبلغني الأخ عبدالله الشلاحي أن وزارة الإعلام رفضت منحه الموافقة الرسمية على نشر كتابه "راحة سلبية"، أي أنها وبتعبير آخر قد منعت نشره.

كتاب راحة سلبية، بحسب ما قرأت حوله، حيث لم أحصل عليه حتى الساعة، يوثق مرحلة الحراك الشبابي السياسي في الكويت خلال الفترة الماضية، وهو الأمر الذي أعتبره مميزا جدا، لكون المنشغلين بالنشاط السياسي لا يحرصون إلا نادرا على توثيق المعلومات والأحداث التاريخية أولا بأول، مما يجعلها بعد مدة عرضة لتلاعبات الذاكرة، ناهيك عن ألاعيب من يتذكرون، ولهذا السبب فكتاب راحة سلبية، ومن حيث الفكرة العامة، وبعيداً عن المضمون الذي لم أطلع عليه، يعتبر محاولة ممتازة في هذا الصدد يجب أن نفرح بها ونشجعها.

وإن كنت قلت ما قلت، فبطبيعة الحال سيكون هذا الكتاب، كما أي كتاب آخر، مكتوبا من زاوية نظر مؤلفه، وبالتالي فقد يحوي في داخله ما يختلف معه الآخرون ويعارضونه، سواء أكان هؤلاء الآخرون من الذين كانوا طرفا في تلك الأحداث أم من غيرهم، لكن هذا الأمر لا يصح أن يكون مدعاة لمنع الكتاب من النشر والتداول بأي حال من الأحوال. والمفروض أنه إن كان "راحة سلبية" قد حوى داخله ما تراه وزارة الإعلام يعد من قبيل المخالفات المنصوص عليها قانونيا، فمن الواجب أن تتخذ الوزارة السبيل الرسمي السليم لمقاضاة المؤلف والناشر، وسحب الكتاب من التداول إن ثبت أن معها الحق، لا أن تمنعه هكذا دون سند، بل أن ترفض تزويد المؤلف بقرار المنع بشكل رسمي حتى يتسنى له أن يتظلم قانونيا من قرارها.

القاعدة السائدة بين الناس تقول إن كل ممنوع مرغوب، وهو ما حصل في حالة "راحة سلبية"، فالكتاب اليوم قد أصبح من الأكثر مبيعا في قائمة كتب مكتبة آفاق، وهي الدار التي قامت بنشره، وتزايد الطلب عليه بحثا من الناس عن ذلك المحتوى الذي جعل وزارة الإعلام ترفض السماح بنشره، ولا أستبعد أنه، وخلال فترة قريبة، سيصبح مبذولا على الإنترنت بصيغة إلكترونية، إما بشكل رسمي وإما ربما بنسخة مصورة، ليصل إلى أبعد من كل الأبعاد التي كان من الممكن أن تتخيلها الجهات التي ترغب في منع نشره وتداوله.

انتشار الفكر، بغض النظر عن ماهيته وطبيعته، لا يمكن منعه منذ فجر التاريخ، فما بالكم بمحاولات منعه اليوم في هذا الواقع المفتوح والمختلف تماما. إن هذا لمن قبيل العبث بل السذاجة ولا شك، فالفكر لا يواجهه إلا الفكر يا سادتي، وقد آن لكم أن تفهموها وتقتنعوا بها.

back to top