يصعب الإلمام في عجالة بذكريات رحلة العمل الدبلوماسي التي امتدت لأكثر من سبعة وثلاثين عاما, غطت تقريباً أرجاء العالم بين مقيم ومحال ومهمات, ولكن ذلك لا يمنع من تسليط بعض الضوء على ما يقوم به أبناء الوطن من أعضاء السلك الدبلوماسي ممن يحمل راية الوطن في الكثير من دول العالم.

Ad

فالعمل الدبلوماسي فيه الكثير من المتاعب والمخاطر، وقد فقدت الكويت اثنين من أبنائها الدبلوماسيين، حيث امتدت يد الخيانة والغدر لتغتال الزميل العزيز نجيب الرفاعي رحمه الله في إسبانيا, والأخ العزيز مصطفى المرزوق رحمه الله في الهند، ندعو لهما بالرحمة والمغفرة، وأسكنهما الله فسيح جنانه.

كما تعرض البعض لمحاولات الاغتيال والخطف, وقد كانت فترة الثمانينيات من أصعب الفترات التي واجهت الدبلوماسية الكويتية، كنت في ذلك الوقت أتولى مسؤولية الشخص الثاني في سفارتنا في اليونان بدرجة مستشار، وكان يتولى مسؤولية رئاسة البعثة السفير محمد البلهان، ثم السفير صالح المحمد رحمه الله.

في الفترة ما بين 1982 و1984 شهدت شوارع أثينا تفجيرات واغتيالات بما عرف بحرب "أجهزة المخابرات العربية" فيما بينها شارك فيها العراق وسورية والأردن وعدد من الفصائل الفلسطينية وبعض الأجهزة الأجنبية الخفية، وكانت دول مجلس التعاون ضحية لهذا الصراع، حيث جرت محاولة اغتيال للسفير السعودي, وتعرض القائم بالأعمال السعودي لتفجير سيارة مفخخة, كما تم اغتيال ثلاثة من الدبلوماسيين الأردنيين.

كانت فترة في غاية الخطورة، فكنا نلبس الستر الواقية ونحمل سلاحاً خفيفاً هو عبارة عن مسدس "كولت"، ولو أننا لا نتقن استخدامه، ويتبادر إلى الذهن تلك الليلة الحالكة السواد حيث تلقيت اتصالاً من السفير صالح المحمد رحمه الله، أبلغني فيه أنه تلقى اتصالاً من مكتب وزير الخارجية، وكان يشغل ذلك المنصب وقتها حضرة صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح- حفظه الله ورعاه- وقد طلب منه مغادرة أثينا حالاً، وذلك نظراً لوجود معلومات تفيد بإمكانية تعرضه للاغتيال.

اتفقنا على أن أقوم بالمرور عليه بسيارتي الخاصة، حيث قمت يتغيير اللوحة الدبلوماسية برقم دولي كنوع من الحذر والحيطة, ثم توجهنا إلى مطار أثينا، وغادر رحمه الله إلى لندن, بعد ذلك طلبت منا الوزارة إعادة عائلاتنا إلى الكويت وتغيير أماكن السكن, حيث قام الأخ العزيز عبدالله القصار بالانتقال للسكن مع أحد الإخوة من السفارة السعودية, كما قمت بالانتقال إلى أحد الفنادق القريبة من أثينا, وقامت وزارة الخارجية بإرسال فريق من بعض أفراد حماية الشخصيات، وأذكر منهم بكل الشكر والتقدير الأخ الفاضل عبدالعزيز المنيخ والأخ الفاضل عبدالعزيز الدغيشم، وذلك بالتنسيق مع الأخ العزيز محمد المسعود مدير إدارة حماية الشخصيات.

أما الجانب المشرق من حديث الذكريات فيتمثل بالعمل الخيري الذي يؤدية شبابنا من الدبلوماسيين, وكم يسعدني أن يكون لي بعض المساهمات في هذا المجال, ففي الجزائر اقتصر العمل الخيري على مساعدة بعض الأسر لأداء فريضة الحج والعمرة, كما قمت بزيارة للجامعة الإسلامية في جمهورية النيجر, وفي اليمن الشقيق واصلنا العمل في هذا المجال برفقة إخوة أعزاء من أمثال الأخ العزيز والنائب السابق دعيج الشمري والأخ الكريم مشعل السعيد مسؤول النشاط الخارجي في بيت الزكاة.

وفي عام 2003 نقلت للعمل سفيراً لدى الأردن الشقيق، وهناك مارسنا العمل الخيري على نطاق أوسع بدعم ومساعدة من رجال نعتز ونفخر بهم من أمثال سمو الشيخ ناصر المحمد، والأخ الفاضل الدكتور عبدالوهاب الفوزان، والأخ العزيز فوزي العبدالغفور، والأخ العزيز فوزي الفوزان، والدكتور هلال الساير بمسعى طيب من أخي العزيز سليمان العنيزي، ولا ننسى في هذا المجال الدور الكبير الذي يقوم به الأخ العزيز عبدالقادر العجيل مدير بيت الزكاة.

وبودي أن أشير هنا إلى موضوعين كان لهما صدى طيب في العمل الخيري, ففي الأردن الشقيق قمنا بمشاركة كريمة من فضيلة الشيخ جاسم مهلهل الياسين بتوزيع ثمان وأربعين شقة على عدد من الأيتام بتبرع كريم من رجالات الكويت.

وفي مدينة لاهاي الهولندية تم شراء المركز الإسلامي الذي يتكون من ثلاثة أدوار، وكان ملكا لإحدى الكنائس وذلك بمساهمة كريمة من العم الفاضل السيد جاسم الخرافي رئيس مجلس الأمة, وبمساعدة من الحكومة الهولندية, وقد قام بهذا الجهد مشكورا فضيلة الشيخ أحمد الفلاح "بويوسف"، وقد تشرفت باستلام مفاتيح المركز وافتتاحه، وذلك عندما كنت سفيراً للكويت لدى هولندا.

ما أريد التركيز عليه في هذا المجال أن العمل الدبلوماسي لا يقتصر على العمل السياسي فقط بل يشمل جميع المجالات.

حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.