لا حياد في الموقف من ضرب الإنسان!
من المؤسف هذا الصمت المطبق غير المبرر أخلاقياً وسياسياً الذي يخيّم على رؤوس بعض المثقفين والأدباء والفنانين والأساتذة ممن لاذوا بالصمت أمام الاعتقال التعسفي وفبركة التهم والضرب الذي تعرّض له بعض الشباب الوطني المخلص الناشط في العمل العام.
أترك الموقف السياسي جانباً، فالاختلاف مع أي موقف سياسي يعتبر حقاً مشروعاً لأي واحد منّا، لكن عندما تقوم قوى الأمن بضرب الإنسان، أي إنسان، وتتعمد إهانته لمجرد أنه عبّر عن رأيه بالطرق السلمية فهنا لا يوجد موقف محايد، فأنت إما مع عملية ضرب إنسان وانتهاك كرامته أو ضدها، أما الصمت هنا فيعتبر تأييداً لإهانة الإنسان والحط من كرامته.قد يلتبس هذا الأمر على الإنسان العادي، فلا يكون بمقدوره التمييز بين رأيه السياسي الذي قد يختلف عن رأي الآخرين من جانب، والموقف من إهانة الإنسان على الجانب الآخر، لكن الأمور واضحة عند بعض من كانوا يدّعون الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة والذين، مع بالغ الأسف، يقفون اليوم موقفاً مؤيداً لضرب الناس وإهانتهم، فقد صمتوا صمت القبور وهم يرون ما تعرّض ويتعرض له الشباب الوطني المخلص من ضرب واعتقالات تعسفية وغاز دخاني ومسيل للدموع ورصاص مطاطي وحبس، ثم فبركة تهم جاهزة ومعلبة ضدهم قد يترتب عليها تهديد لمستقبلهم المهني والدراسي!
كل هذا ليس لأنهم سرقوا ملايين الدنانير من المال العام أو تضخمت أرصدتهم البنكية بعد استغلالهم لسلطتهم الوظيفية وتكسبهم غير المشروع وقبولهم للرشى السياسية، كما أنه ليس لأنهم سيئو السمعة والسلوك، بل لأنهم أرادوا التعبير عن آرائهم الرافضة لانفراد الحكومة باتخاذ قرار مصيري يتعلق بطريقة مشاركتهم في إدارة شؤون الدولة والمجتمع، وطالبوا بالإصلاح السياسي والديمقراطي بحثاً عن وطن أكثر حرية ومساواة وعدالة اجتماعية.كما أنه من المؤسف أيضاً هذا الصمت المطبق غير المبرر أخلاقياً وسياسياً الذي يخيّم على رؤوس بعض المثقفين والأدباء والفنانين والأساتذة خصوصاً من الذين عُرفوا في السابق بمواقفهم الوطنية والقومية والإنسانية المؤيدة بشكل عام للتقدم الاجتماعي والتطور الديمقراطي، حيث إنهم لاذوا بالصمت أمام عمليات الاعتقال التعسفي وفبركة التهم والضرب الذي تعرّض ويتعرض له بعض الشباب الوطني المخلص الناشط في العمل العام، وهو الأمر الذي يثير الكثير من علامات التعجب والاستفهام، ولا يمكن تفسيره إلا أنه تأييد للخيار الأمني الذي يبدو أن الحكومة قد بدأت فعلاً بتبنيه رغم مخاطره الحالية الاجتماعية والسياسية وتبعاته الكارثية على وطننا، حيث إن تبني خيار القبضة الأمنية قد يبدو سهلاً في البداية لكنه كالوحل من الصعوبة بمكان الخروج منه دون خسائر كبيرة مؤلمة.مرة أخرى، نحن هنا لا نتحدث عن المواقف أو الآراء السياسية التي قد تختلف من شخص إلى آخر، لكننا نتحدث عن الموقف الأخلاقي من ضرب الإنسان أي إنسان وتعمد إهانته وهو موقف لا حياد فيه، والوطنيون والمثقفون الحقيقيون المرتبطون "عضوياً" بقضايا شعبهم ووطنهم مواقفهم صلبة دائماً ضد امتهان كرامة الإنسان بغض النظر عن أصله أو مذهبه أو لون بشرته أو جنسه أو موقفه السياسي.