بينما تعصف كل هذه التطورات الصاخبة بهذه المنطقة وتهدد بمفاجآت يصعب التكهن بمدى خطورتها، ترتفع حرارة التعارض والتناقض أيضاً بين كردستان العراق وبين المركز في بغداد، أو على وجه التحديد بين رئيس الإقليم الكردستاني مسعود البارزاني وبين رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، الذي دأب منذ احتلاله هذا الموقع، الذي هو الموقع الأول رغم وجود رئيس للجمهورية هو جلال الطالباني، على التصرف وكأنه مجرد ضابط برتبة ملازم في فيلق القدس التابع لحراس الثورة الإيرانية بقيادة قاسم سليماني.
ولعل ما هو غير معروف خارج العراق أن مشكلة نوري المالكي مع الزعيم الكردي مسعود البارزاني ومع إقليم كردستان كله هي تبنيه لكل التطلعات الإيرانية، وفقاً لوجهة نظر الولي الفقيه وحراس الثورة، سواء في الإقليم الكردستاني وما تريده طهران منه في هذه المرحلة الحاسمة، حيث تجري في سورية تطورات متصاعدة ومتلاحقة، أم في العراق كله؛ البلد الذي يضم كل هذه التعددية الدينية والطائفية والقومية، والمفترض أن ينأى بنفسه عن مخططات إيران الإقليمية وأن يبقى على الحياد على الأقل، إن كان رئيس وزرائه لا يريد أن يتصرف على أساس المصلحة العراقية وعلى اعتبار أن بوابة هذا البلد هي البوابة الغربية.هناك خلاف على النفط وعلى حصة إقليم كردستان في هذه الثروة الوطنية العراقية، وأيضاً على مناطق حدودية من المفترض أن يجري حلها بالاتفاق والتفاهم والتراضي، بدلاً من كل هذا التصعيد الذي لجأ إليه نوري المالكي في الآونة الأخيرة وسببه في حقيقة الأمر رفض البارزاني للسياسة الداخلية والخارجية التي ينتهجها رئيس الوزراء العراقي ورفضه لكل محاولات العودة بالعراق إلى صيغة النظام الاستبدادي والقائد الأوحد وأساليب تصفية المعارضين سياسياً وجسدياً وإجبارهم على مغادرة البلاد كما كانت عليه الأوضاع قبل عام 2003.والملاحظ أن المالكي، من قبيل إعطاء تصرفاته هذه تجاه إقليم كردستان وتجاه مسعود البارزاني بعداً قومياً يدفع عنه تهمة الولاء لإيران وتبعية الولي الفقيه وتلقي التعليمات من قاسم سليماني، وجه "إعلامه" والـ"أوركسترا" المحيطة به إلى التركيز على أن رئيس الإقليم الكردستاني يسعى إلى الانفصال بهذا الإقليم عن العراق، تمهيداً لإنشاء الدولة القومية الكردية التي من المفترض أن تضم "كُرَد" إيران وتركيا، إضافة إلى المناطق الشمالية الشرقية من سورية.والمعروف أن مسعود البارزاني، الذي كان أعلن أكثر من مرة أن الظروف الإقليمية الحالية وعلى المدى المنظور أيضاً غير ملائمة للإعلان عن إقامة الدولة المنشودة، التي هي هدف استراتيجي للشعب الكردي كله، قد هدد في لحظة بلغت فيها "تطاولات" نوري المالكي واستفزازاته حداً لا يمكن احتماله بأنه سيضطر، إن لم تتوقف تحديات رئيس الوزراء وتصرفاته التصعيدية، إلى إجراء استفتاءٍ في إقليم كردستان العراق على خيار الانفصال عن دولة العراق وإعلان الدولة الكردية المستقلة.وقد جرى استغلال هذا من قبل نوري المالكي والـ"أوركسترا" التابعة له للترويج لحكاية أن الأمن الوطني العراقي بات مهدداً بانفصال الإقليم الكردستاني عن دولة العراق وإعلان الدولة الكردية المستقلة، وكأنه لا يحق للأكراد الذين يصل عددهم الى أكثر من خمسة وعشرين مليون إنسان أن يقيموا دولتهم الوطنية والقومية المستقلة أسوة بأشقائهم العرب والإيرانيين والأتراك وأسوة حتى بالشعب الفلسطيني الذي قررت قيادته اللجوء إلى الأمم المتحدة لاتخاذ قرار بالاعتراف بدولة لهذا الشعب، وإن تحت احتلال إسرائيل.
أخر كلام
حقيقة ما يجري في كردستان العراق!
17-09-2012