لنحجب الأسماء... ونتحدث!

نشر في 17-05-2012
آخر تحديث 17-05-2012 | 00:01
No Image Caption
 د. ساجد العبدلي الحكاية التي عصفت بالساحة السياسية والإعلامية المحلية خلال الفترة الماضية، وما أكثر العواصف والزوابع عندنا، هي حكاية قيام النائب محمد الجويهل بالبصق على زميل له في البرلمان، وما تبع ذلك من ردود أفعال وإجراءات انتهت بتطبيق بعض العقوبات اللائحية في حق النائب الباصق، ومنها حرمانه من دخول المجلس وحضور الجلسات واجتماعات اللجان لمدة أسبوعين أو ما شابه.

والحقيقة أني عزفت عن الكتابة عن الأمر آنذاك نأياً بنفسي عن الدخول في تلك العاصفة المشوبة بالكثير من الانفعالات العاطفية وقتها، انتظاراً لأن تنجلي شيئاً ما ليمكن أن يقول المرء ما يود قوله بأكبر قدر من التجرد، على أمل أن يستمع الطرف الآخر ويحكم بتجرد أيضاً.

وقبل الدخول في طرق الموضوع، فمن المهم أن أقول بأني شخصياً، لم أكن بحاجة إلى أن يقوم النائب الجويهل بالبصق على زميل له لأتأكد من عدم صلاحيته لتمثيل الأمة في البرلمان، فللرجل سيرة سابقة معروفة للجميع، كانت كفيلة بأن تجعل كل شخص يتأكد بأنه أبعد ما يكون عن الصلاحية لتسلم المنصب النيابي، وربما أي منصب عام غيره. وليس هذا بكلام جديد، فقد سبق أن كتبت عن ذلك، في أثناء السباق الانتخابي السابق، محذراً من خطورة التصويت للجويهل ولمن هم على شاكلته، لأن هذا سيقود إلى تخريب الممارسة الديمقراطية بالكامل. ولكن، كتب الله له ولأمثاله أن يصلوا، وها نحن نرى رأي العين ما كان متوقعاً.

لكن يا سادتي، لنحجب الأسماء، ونتحدث عن موضوع اليوم دون ربط ما جرى ويجري بهذا الشخص أو ذاك، ولنحاول أن نحكم على الأمور بتجرد.

لا شك أن فعل "البصق" على الآخرين، خصوصاً تحت قبة البرلمان، هو فعل شائن جداً بل وعلامة تدل على سوء المسلك والانحدار الأخلاقي. نعم، هو هكذا ولا شك. ولكن ليس البصق وحده كذلك، فاستخدام الشتائم والسباب والتطاول اللفظي، والتراشق بالهمز واللمز والغمز، ناهيك عن التقاذف بما تطاله اليد من أكواب، والضرب بالصفعات واللكمات والركلات والجلد بالعقال، كل ذلك حين يأتي في مقام التحاور بالبيان والحجة والبرهان وتطبيق اللوائح والقوانين، فإنها جميعاً تكون من قبيل الأفعال الشائنة جداً، ولا فرق عندي في أن يرى البعض أن "البصقة" كانت هي الأكثر انحداراً، وألا يراها البعض الآخر كذلك، فخلاصة الأمر أن هذا الذي يجري ما هو إلا خرزات من ذات المسبحة التي انقطع خيطها وصارت تكر ما فيها من سقط، خرزة تلو الأخرى!

لكن الحقيقة الأكثر مرارة هي أن هذه الأحداث المشينة جداً، والتي حدثت في البرلمان خلال الفترة السابقة، ليست شيئاً محصوراً بالنواب أو بالممارسة البرلمانية، بل قد صارت اليوم تمثل الصورة السائدة لمجمل حراكنا السياسي والإعلامي ولنقاشاتنا وحواراتنا في الندوات والمنتديات والبرامج الحوارية التلفزيونية وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، فالتطاول اللفظي والتجريح البعيد عن الدين والخلق وكذلك الشتم والسباب والهمز واللمز والسخرية المقذعة المنحدرة والاشتباك بالأيدي، وغير ذلك كثير، قد صارت جميعاً لغة سائدة ومألوفة. وصار الكثير من الناس، إن لم تكن الغالبية تحكم على ما يجري، وللأسف، بحسب قربها أو بعدها من مقترف "الفعل الشائن"، فإن كان من خصومهم، فهو ساقط منحدر منحط، وإن كان من جماعتهم، فما فعله صحيح ولا تشوبه شائبة، بل وسلم قلمه ولسانه أو يداه وعقاله وحتى رجلاه. بل صار هذا التطرف في التعامل مع الخصوم، باستخدام هذه الوسائل، هو من أقصر السبل للشهرة، فمن أراد أن يصبح مشهورا في وقت قياسي قصير، فعليه أن يتطرف، إما بكتاباته وإما بأقواله وإما بأفعاله وتصرفاته تجاه القضايا أو الخصوم، "فالجمهور عايز كده"، وأما الصوت العاقل المتزن، فلا أحد يلتفت إليه إلا فيما ندر.

ولهذا السبب، فلا داعي لأن يعجب أحد أنه قد احتشد في الانتخابات الماضية أكثر من ثمانية آلاف ناخب ليصوتوا لمرشح، بذريعة "أن الفساد لا يتصدى له إلا فساد أشد منه" على حد قناعتهم، ليصل هذا المرشح فعلاً، ويصير نائباً، فيؤدي تلك المهمة المطلوبة منه، فيبصق في وجه زميله!

back to top