الشعور بالشفاء بعد طول انتظار

نشر في 13-10-2012 | 00:01
آخر تحديث 13-10-2012 | 00:01
No Image Caption
بين إعلان الشفاء واللحظة التي يتخلص فيها المريض تماماً من مرضه، يطول الطريق أحيانًا. يتطلب ذلك تغيير المزاج وبالتالي يحتاج المريض إلى الوقت وأحياناً إلى المتابعة.
«لقد تعافيت»... عندما سمعت ليلى طبيب الأمراض العصبية يزف إليها هذا الخبر، وهي في الخامسة والستين من العمر وقد تعرضت لحوادث وعائية دماغية عدة خلال ثلاث سنوات، لم تصدق نفسها. مع أن صور الرنين المغناطيسي تثبت أنها تعافت، لا تزال ليلى تشعر بالخطر. من يؤكد أن المرض لن يلاحقها؟ هل يمكن أن تعيش حياتها كالسابق من دون التعرض للمخاطر مجددًا؟

 لم يكفِ التعبير عن أن ليلى تعافت لنقلها من حالة المرض إلى الشفاء لأن الخوف من الموت الذي يشعر به المرء لحظة تشخيص المرض لديه لا يختفي بهذه السهولة. بالنسبة إلى الجسم الطبي، يتمثل الشفاء في اختفاء علامات المرض وعوارضه واستعادة الصحة. لكن، بالنسبة إلى المريض، المسألة مختلفة تمامًا! فالشعور بالشفاء، هذا الشعور الذاتي، يعتمد على التأثير النفسي الذي أثاره المرض لديه.

بالإضافة إلى الشفاء الجسدي، يحتاج المريض إلى الشفاء الروحي أيضًا والاجتماعي. بالنسبة إلى البعض، جمع الشروط الثلاثة أشبه بمهمة شاقة وربما مستحيلة. فعندما يعلن الطبيب للمريض أنه شفي تمامًا، لن يشعر بهذه الحقيقة على المستوى النفسي: كيف لي، في الحقيقة، أن أشعر «كالسابق»، أن أتعافى من الجروح التي طبعها المرض فيّ، كصدمة الإصابة والندوب والاضطرابات والصدمات النفسية التي تلقيتها؟

الشفاء في الواقع طريق يسلكه المرء في الاتجاه المعاكس: على المريض أن يتخلى عن هويته المرضية ليستعيد شيئًا فشيئًا هويته الطبيعية السليمة ويعود إلى حياته اليومية في إطار الحياة العائلية والمهنية والاجتماعية. فيبدأ رحلة طويلة للابتعاد عن الخوف والتهديد، حيث الإنسان يعيد اكتشاف ذاته ويجد معالمه ليتوصل في النهاية إلى ميناء يرسو فيها بسلام بجسده وحياته.

تنازل يثير الخوف

تتذكر إيمان (35 عامًا، مريضة بالربو منذ الطفولة): «مرت علي سنوات طويلة وأنا أحمل أجهزة الاستنشاق معي طوال الوقت». حتى جاء اليوم الذي اقتنعت فيه إيمان بنصائح صديقة لها وخضعت لجلسات عدة من الوخز بالإبر بالليزر من شأنها أن تطيل الفترة بين النوبة والأخرى. لكنها استمرت باستنشاق الدواء لمرات عدة خلال النهار خلال أشهر: «لم أتمكن من التخلص من الخوف من الإصابة بنوبة. فالربو أصبح يشكل جزءًا مني». في الواقع، يعتبر الأطباء أن بعض العواطف نتعافى منه جسديًا، لكن نرفض الشفاء منه نفسيًا.

يصعب علينا أن ننفصل عن المرض الذي رافقنا منذ سنوات حتى تماهينا سويًا. إنه ما يسمى بتأثير المرآة: «اخلط بيني وبين المرض، فهو أنا». لذلك، فكرة الانفصال عنه تعني فقدان جزء من الذات. حتى إنها تعني للبعض التنازل عن المنافع كاهتمام الآخرين بنا. تخبر ياسمين (48 عامًا): «تعرضت أختي لمحنتين جسديتين خطيرتين، ما استدعى تجمّع العائلة حولها ودعمها. اليوم، تتعافى من الثانية، لكنها ما زالت تتصرف على أنها عاجزة وضعيفة. فهي لا تعمل، وتتنقل مع العكازين في حين أنهما ما عادا ضروريين... أعتقد أنها بحاجة إلى المرض لتشعر بأنها محبوبة، لتشعر أنها موجودة».

في هذه الحالة، التغيير يثير الخوف: فبسببه لن نكون مصدر الاهتمام بعد الآن ولا في قلب المخاوف والقلق. أحيانًا، قد ندفع ثمن التعافي والتخلص من المرض والعودة إلى الحياة الطبيعية أغلى من المرض بحد ذاته. لا يصعب نسيان الحالة الجسدية بل العواطف النفسية التي ارتبطت بها. فحتى لو كنا نعرف أنه يمكننا أن نموت من جراء الرشح، نحتفظ بتصور إيجابي عن الموضوع يجعلنا ننفي أي شك في الشفاء.

في المقابل، ترتبط تشخيصات أخرى بالموت وتعمل مخيلتنا على منع تصورات تتوافق معها. ومن المفارقات أنه من غير الضروري الإصابة بمرض يُعتبر مميتًا كي تكون النتيجة كذلك. على سبيل المثال، نلاحظ علامات تثبت إصابتنا بمرض ما من دون أن يتمكن الطب من توفير الدواء الشافي له. وغالبًا ما يأتي الشعور بالعجز الذي يصيبنا أو يصيب الآخر لتعزيز الانطباع السلبي.

قوة الإقناع

إذًا، تلخيص الشفاء ببيانات موضوعية مسألة بسيطة جدًا. فهو أيضًا يتمثل في حالة ذهنية ورغبة في الاعتقاد بذلك، بل إنه حالة وعي شخصي، إن لم نصدقها فلن تجدي نفعًا استشارة أفضل الأطباء في العالم.

بالنسبة إلى فاطمة (32 عامًا) التي كانت حاملاً في الشهر الخامس عندما علمت أنها مصابة بنوع خطير من سرطان الثدي، أدى الإقناع الذاتي دورًا في تغيير المسألة: «ما إن كنت أشعر بالانزعاج، كنت أمارس تمرين تصور. كنت أتصور نفسي بعد 15 عامًا، في حديقة مع طفليّ اللذين أصبحا مراهقين. بما أنني أحمل حياة في أحشائي، أخفيت حالة المرضية وراء وضعي كأم لطفلين وعملت على تقوية نفسي وتنشيطها. بحسب الخبراء، لن تكفي أجدد أو أفضل التقنيات وحدها لرسم طريق الشفاء، ويؤكدون وجود قوة نفسية في كل كائن بشري باستطاعته تعزيزها وتقويتها لبلوغ الهدف المطابق لرغبته. إذا لم تكن هذه القوة موجودة أو مضمورة، يصعب الشفاء ويستحيل أحيانًا مهما كانت العلاجات التي يخضع لها. فهي تجسد قوة الروح على الجسد.

التغلب على الذات

لا تتوافر وصفة محددة للتغلب على اللحظة التي شعرنا فيها بأن الزمن توقف، في هذه اللحظة المحددة التي ترتبط بأفكار أو صور حملتنا معها إلى مستقبل لم نشهد فيه سوى الموت. إلا أن طرق الشفاء كثيرة على عدد الأشخاص بنقاط قوتهم وضعفهم و{حلولهم الداخلية». يتكلم أحد الأطباء النفسيين عن طرق الشفاء التي، إلى جانب الموارد الخارجية، قد تمكن العلاجات من أن تكون فاعلة.

لكل منا مفتاح أو رمز، قد يتمثل في جملة أو حدث. إنها حال سلمى (40 عامًا) التي أصبحت أمًا بعد 10 سنوات من إصابتها بالسرطان: «عند ولادة طفلي، اكتشفت أنني اصبحت عاجزة جسديًا تمامًا على لفظ هذه الكلمة. كان من المفروض علي أن أقلب الصفحة بعدما حملت كتلة الحياة هذه بين ذراعي. فهو كان المستقبل. لذلك، سمحت لنفسي بأن أعيش، لا أن أبقى على قيد الحياة». في الواقع، عندما يتم توجيه العاطفة التي نتجت من حدث معين نحو مكان صحيح، نشعر حقيقة أن الحالة انتهت كما لو أننا تخلصنا من وزن زائد.

مهما يكن العنصر المسبب للأحداث كلها، الوقت هو العنصر المشترك فيها كلها وهو ضروري للتغلب على المحنة. في حال أصبح ذلك صعبًا أو مستحيلاً، يجب ألا نتردد باستشارة طبيب أو اختصاصي نفسي.

back to top