وطن

نشر في 03-06-2012
آخر تحديث 03-06-2012 | 00:01
 ناصر الظفيري الصوت بلكنته السمراء يتحدث عن مشوار طويل للكاتبة السمراء توني موريسون في برنامج يقدمه الكندي من أصل ايراني جيان جوماشي ولم تكن صاحبة الصوت سوى توني موريسون نفسها. واللقاء بتوني موريسون كان لسببين: فوزها بوسام الرئيس للحريات وهو أعلى وسام يمنح للمدنيين في أميركا ولصدور روايتها الأخيرة "وطن" والتي تحمل هموم موريسون الأبدية عن الهوية والوطن للأفروأميركان في بحثهم الطويل عن الانتماء المتذبذب بين وطنهم أميركا وجذورهم السمراء. وربما ذلك ما عانت منه موريسون نفسها حين فازت بجائزة نوبل للآداب عام 1993 حين علقت الـ"نيويورك تايمز" على اعلان فوزها بالجدلي.

علقت توني موريسون بحزن على النقد السلبي لفوزها كونها كاتبة سوداء أو أول كاتبة سوداء أميركية تفوز بجائزة نوبل، "انهم لا يقولون الكاتب الأبيض تولستوي أو مارك توين كما يضيفون لوني أمام اسمي الأدبي".  تجاوزت توني الثمانين من عمرها وخلال تلك السنوات الطويلة من القهر العرقي اختلفت عن أقرانها الكتاب السود من الرجال الذين وضعوا أمامهم  الرجل الأبيض نظيرا أو ندا لتوجيه خطابهم له ووجهت خطابها للانسان بشكل عام. منحها ذلك حرية خاصة تمثلت بأسلوبها العذب في الكتابة التي اكتسبت صوتا أوبراليا أو سيمفونيا وقدرة تصويرية خارقة لتشكيل شخصياتها.

توني موريسون أرسلت مخطوطها الأول "العيون الأكثر زرقة" الى الناشر باسم توني موريسون وليس باسمها الحقيقي كلوي ووفرد وحين اتصلت لتغيير الاسم قال الناشر ان الكتاب قد طبع. لم يكن الناشر متشجعا لنشره ولكنه الكتاب الذي وضعها على خارطة الأدب الأميركي كقوة ثقافية وثقل ابداعي، ثم حقق كتابها "محبوبة" 1987 جائزة البوليتزر والذي أطلق عليه النقاد لقب أفضل رواية في خلال ربع القرن الماضي.

كتابها الأخير "وطن" يبحث في المضامين ذاتها التي عاشها الرجل الأسود في أميركا، ليس تحت أغلال العبودية كما في "محبوبة" ولكن تحت أغلال فقدان المكان. حين يضطر لمغادرة وطنه ليس بسبب رسمي أو تحت عنف السلطة ولكن تحت العنف الشعبي. فرانك موني الذي عاش أهوال الحرب الكورية في الخمسينيات من القرن الماضي وأهوال الازاحة في بلدته حين تم تهجير عائلته من منزلهم وحقلهم ليعمل والداه في حقول جورجيا لكسب قوتهم.

"أن تكون في بيتك، تعيش لسنوات" يتذكر فرانك "ويجبرك رجال يحملون شارات الشرطة أو لا يحملونها لكنهم دائما يحملون بنادقهم أن تغادر أنت وعائلتك وجيرانك، بأحذية أو حفاة" على المقيمين أن يغادروا خلال أربع وعشرين ساعة والا... والا هنا تعني الموت. رجل مسن اسمه كروفورد جلس على منصة بيته ورفض الرحيل. ضرب حتى الموت بالعصي وأخماس البنادق وتم ربطه الى شجرة الماغنوليا العتيقة، الشجرة التي في ساحة بيته. بعض الجيران المهجرين عادوا اليه، فكوا وثاقه ودفنوه تحت الشجرة التي أحبها. أحدهم قال لمن يستمع له ان عيني السيد كروفورد قد تم اقتلاعهما.

ما يتذكره فرانك في طفولته ليس أقل ضراوة مما عاشه في أرض المعركة وما عاد اليه في بلده لا يقل عنفا أيضا. في حالاته المتنقلة يصبح الوطن حالة من الوهم ليس لها أن تتحق. "وطن" رواية موريسونية بكل تفاصيل الحب والعنف والفقد ليست معاناة بطلها وحده بل معاناتنا جميعا في عالم ليس لصخبه أن يهدأ.

back to top