نجحت الانتخابات وفشلت المقاطعة بعد نسبة مشاركة بلغت 40 في المئة تقريباً مقارنة بـ59 في المئة في الانتخابات السابقة، ومن غاب عن هذا المجلس غاب بمحض إرادته لا بسبب نظام الصوت الواحد، بينما كان النظام السابق يحرم شرائح شعبية من التمثيل حتى مع مشاركتهم، بسبب سلبياته الكثيرة وأهمها التحالفات وظاهرة القلص. لكن المعركة لم تنته بعد، فأمام الحكومة والمجلس القادمين تحديات كثيرة فشلت في مواجهتها الحكومة السابقة والمجلس المبطل.
فرئيس الوزراء القادم يجب عليه تغيير طريقته في إدارة الحكومة بعد تجربتين ثبت فشلهما، ولا عذر للعودة إليهما. أولى التجارب هي تجربة سمو الشيخ ناصر المحمد، الذي كان يتمتع بأغلبية نيابية مساندة له (وأغلبها غير منتفعة)، وكان بإمكانه الدفع بأجندة الإصلاح، لكنه اختار محاولة إرضاء الجميع عبر الانصياع لصوت الغوغاء، وبالنهاية خسر الجميع. والتجربة الثانية هي تجربة سمو الشيخ جابر المبارك التي أقر هو بنفسه بخطئها عبر خضوعه لأجندة الأغلبية المبطلة وقراراتها المخالفة للائحة وللدستور، ومع كل ذلك هاجموه عند أول اختلاف وباعوه كلياً الآن، فخسرهم وخسر الأقلية السابقة التي التزمت بالدستور وباللائحة.أمام رئيس الوزراء القادم فرصة ذهبية لفرض أجندة الإصلاح بالتعاون مع أغلبية عاقلة وفي ظل غياب كتلة الغوغاء، ولديه فرصة ذهبية أيضاً في لجم نواب الخدمات الذين فقدوا أداة الابتزاز التي كانوا يملكونها سابقاً. ففي السابق كانوا يحققون رغباتهم ومعاملاتهم، بسبب حاجة الحكومة إليهم في مقابل كتلة الغوغاء وتهديداتهم واستجواباتهم الشخصانية، أما الآن فلا وجود لهذه الحالة. كما يجب عليه ألا يعتقد أن الجو صار ملائماً لاستمرار الأداء الهزيل للحكومة بدون ضجة، لأنه ستبرز معارضة جديدة (عاقلة هذه المرة) تحاسبها على ذلك الأداء الهزيل.أما بالنسبة للنواب، فإن لديهم فرصة ذهبية أيضاً (في ظل غياب كتلة الغوغاء)، ليس لتحقيق مطالب فئوية أو مناصب عبر الضغط والابتزاز كما فعلت الأغلبية المبطلة، بل عبر سن تشريعات تكفل العدالة والمساواة والشفافية في التوظيف والمناصب والقبول في الكليات الأمنية وغيرها، كما هو حاصل في قبول البعثات لخريجي الثانوية التي لا واسطة فيها، لأنها تخضع لفرز الكمبيوتر حسب معايير محددة. حالياً، الجميع يعاني، فالمواطنون يشعرون بالإحباط، لأنهم لا يستطيعون تحقيق طموحاتهم إلا بالواسطة، والنواب يعانون بسبب كثرة طلبات الواسطة واستنزاف وقتهم بهذه الطلبات، والحكومة محتارة في ترضية من بسبب كثرة الطلبات المقدمة لها.إن السبيل الأمثل لحل هذه المعضلة هو في ضمان العدالة والمساواة، وعلى النواب حملٌ ثقيل في تحقيق ذلك، إضافة إلى التركيز على الاستقرار والإنجاز، لأن هناك الكثير من التحديات الخطرة القادمة وأبرزها أزمة التوظيف، لأن القطاع العام لم يعد قادراً على استيعاب المواطنين الداخلين في سوق العمل. وعلى النواب الشيعة بالذات حمل أثقل لضمان الاستقرار والتهدئة عبر التواضع والتحلي بالحكمة في التعامل مع الوضع الحالي، لأن معظم رموز كتلة المقاطعة وجمهورهم بدأوا بنفث سمومهم الطائفية والعنصرية، لجرهم إلى معركة أخرى من أجل زيادة الشحن والاحتقان، تمهيداً لتصعيد أكثر في الشارع للمطالبة بحل المجلس، فعندما يتحرك خصمك بلا خطوط حمراء ويكون مستعداً لحرق الأخضر واليابس، فإن المطلوب منك هو ضبط النفس، حتى إن تطلب ذلك تقديم تضحيات.خلاصة القول: إن المعركة لم تنته بعد، ومفتاح الفوز في الجولة المقبلة هو التركيز على الإنجاز والابتعاد عن كل ما يثير النعرات الطائفية والعرقية، والبدء بإصلاحات ملموسة، حتى يتم انتزاع ورقة الفساد التي تستخدمها كتلة الغوغاء ككلمة حق يراد بها باطل.
مقالات
احذروا أخطاء الماضي... فالمعركة لم تنته بعد
06-12-2012