لا أقصر نظراً من تلك التحليلات "الأكاديمية" التي رأت في زيارة محمود أحمدي نجاد الأخيرة لجزيرة "أبوموسى" الإماراتية المحتلة أنها مجرد انعكاس لأزمة إيرانية داخلية متفجرة بين كبار المسؤولين الإيرانيين، خصوصاً بين الرئيس الإيراني ومرشد الثورة السيد علي خامنئي، مع أن هذه الزيارة جاءت في ظروف إقليمية شديدة الاضطراب، ومع أن التراشق بالتصريحات النارية بين نوري المالكي ورجب طيب أردوغان من منطلق مذهبي واضح كان قد وصل إلى الذروة التي وصل إليها. ربما أن هناك خلافاً فعلياً داخل التركيبة الحاكمة في إيران، مع أن هؤلاء كلهم أهل "تقيَّة"، لكن انعكاسات مثل هذا الخلاف لا يمكن أن تصل برئيس الدولة إلى القيام بتلك الزيارة الاستفزازية لجزيرة "أبوموسى" الإماراتية المحتلة الواقعة في فم مضيق هرمز، الذي يعتبر أهم ممر حيوي خطير في الكرة الأرضية كلها، لاسيما أن الإقليم يعيش حالة الغليان الشديد التي يعيشها الآن. لو أن هدف هذه الزيارة هو مجرد "زغزغة" للولي الفقيه علي خامنئي، وأن القيام بها في هذا الوقت بالذات لتعزيز شعبية نجاد، التي يقال إنها غدت متراجعة إلى أقصى الحدود، لما كان تبعها قرار بإعلان الجزر الإماراتية المحتلة الثلاث إقليماً جديداً يضاف إلى باقي الأقاليم الإيرانية، وأن عاصمته جزيرة "أبوموسى"، ولما كان تبع ذلك إرسال ثلاثة فيالق عسكرية إيرانية لترابط في هذه الجزيرة والجزيرتين الأخريين، إذ إن هذه الخطوة التصعيدية هي التي استدعت إعلان مناورات لقوات درع الجزيرة الخليجية. هناك الآن أزمة عراقية داخلية بلون طائفي افتعلها نوري المالكي الذي قام أخيراً بزيارة مُستغربة لطهران استدعت إثارة أكثر من ألف سؤال وسؤال، وهناك حرب كلامية ملتهبة بين رئيس الوزراء العراقي وبين رجب طيب أردوغان، وبلون مذهبي وطائفي أيضاً، وهناك أيضاً أن سورية قد تحولت إلى ساحة تصفية حسابات إقليمية ودولية، وأن المنطقة غدت بحاجة إلى مجرد إشعال عود ثقاب واحد فقط، كي تدب فيها حرائق هائلة ستكون مدمرة في كل الأحوال. ولهذا فإن محمود أحمدي نجاد عندما قام بتلك الزيارة فإن الأمور لا يمكن أن تكون مجرد نزوة عابرة أو من قبيل تعزيز الرئيس الإيراني لمكانته في المعادلة الإيرانية الداخلية المتأرجحة. إن المسألة أكبر من هذا كله، وإن ما تلاحق من إجراءات سياسية وعسكرية، لا يمكن أن تتم بدون موافقة خامنئي وباقي أركان الدولة الإيرانية، يدل على أن لدى إيران موالاً إقليمياً كبيراً، وأنها عازمة على تخفيف الضغط عن حليفها بشار الأسد وعلى فتح جبهة تصعيد جديدة، مما يعني أنه من غير المستبعد إن لم تصل الأمور إلى المواجهة العسكرية الشاملة فإلى المناوشات المحدودة.
أخر كلام
سبب زيارة نجاد!
28-04-2012