امرأة واحدة فقط!

نشر في 14-06-2012
آخر تحديث 14-06-2012 | 00:01
No Image Caption
 مسفر الدوسري امرأة واحدة دون كل نساء الأرض لا تنسلّ من ذاكرتك إلا في حالة واحدة فقط، هي أن تعود بلا ذاكرة!

امرأة واحدة فقط لها شذا وردة غامضة لا يبارح ثياب أيامك ولا جسد اشتياقك، تنسج بخيوط الزعفران رائحة بوحك إلى ذاتك، وتسيّل أشعة الشمس الخفيفة في مساءاتك الضيقة، وتكتب في دفتر يومياتك وبين سطوره الظاهرة بحبر سريّ عصي على المحو.

مهما عشقت، ومهما تعددت تجاربك في الهوى، تبقى تلك المرأة فقط هي التي تحفظ تفاصيلها أكثر من خطوط راحتيك، وهي المرأة الوحيدة فقط التي تستطيع رسمك على الماء، ويبقى وجهك طافحاً لا يغرق وتبقى ملامحك متماسكة لا تتبعثر رغم جبروت الموج وسطوته.

مهما كانت طباعك، ومهما بلغ نزقك، واستسلَمْتَ لوحشيّتك، ومهما اشتد تمردّك، ومهما بلغت قسوة أظافرك وحدّتها، هناك امرأة واحدة فقط تعرف كيف تروّضك وتُجلسُك على حافة المقعد أو طرف السجادة كقطٍّ أليف، وتعرف كيف تُمشّط شعر غضبك الأشعث، وتقودك ساكنا مستكينا تحت "دوش" ماء بارد مستسلماً لأمر من طرف عينها.

امرأة تعرف كيف تكوّم في كفيك اليرقات، وكيف تُحيل أطراف أصابعك إلى غيمات، وكيف تملأ كرّاستك الصفراء بالألوان، وصدرك المغطّى "بالسيراميك" البارد بآنيات الزهر، وكيف تُأنْسِنُك وتُؤنسك.

امرأة دون نساء الأرض كأنما خُلقت لك وحدك، وكأنما فُصّلت على مقاسك، تعشق كل شيء فيها، حتى لو لم تدرك قبلها أنك تعشقه، بل ربما كنت تتصوّر أنك تكرهه قبل أن تظهر هذه المرأة في حياتك.

امرأة قادرة على إعادة ترتيب أولياتك في الحياة، وإعادة صياغة ما تحب وما لا تحب، وكتابة شهادة ميلادك من جديد، وكأنما انت بُعِثت حيّا.

تشكّل طين أحلامك، وتوحي إليك بِسُوَر أحلامك الجديدة في غارٍ مقدّس ليس فيه سواك.

تروي عطش أمانيك بماءٍ تُدمنه فلا تعود تستسيغ سواه،

ليس صحيحا أنك تستطيع "خلق" تلك المرأة من امرأة أخرى،

وليس صحيحا أنك قادر على تشكيل أي امرأة لتُصبح بمواصفات تلك المرأة، لأنك أصلا قد لا تعرف مواصفاتها إلا حينما تعثر عليها،

ولا تعرف أنها قادرة على فعل ذلك بك إلا عندما تفعل.

امرأة تُخرجك عن مدارك لا لتموت كبقية الشهب والنجوم ولكن لتحيا،

تنبت في نبضك العشب، وتوسّع رقعة سمائك وتغيّر أماكن نجومها لتبدو أجمل، وترسم جغرافية أرضه لتبدو أكثر رحابة وغنى.

امرأة واحدة في حياة كل رجل تستطيع أن تكون حياته، لا يستطيع الرجل أن يشرك بها امرأة أخرى.

إمرأة واحدة فقط تستطيع فعل ذلك، إلّا أن كل امرأة هي تلك المرأة لرجل ما على هذه الأرض،

كل امرأة بلا استثناء هي الفردوس المبتغى لرجل ما في مكان ما،

قد يكون هذا الرجل قريبا للدرجة التي لا تراه، أو بعيدا للدرجة التي لا تلمحه، ولكن بالتأكيد هناك رجل هي امرأته وهو رجلها.

كل امرأة هي وصفة سحرية، وهي مغارة علاء الدين، وهي جناحا الرحمة، وهي التي بيديها مفاتيح الغيم، وهي التي تملك كلمات السر لمرور مواكب النور... ولكن لرجل بذاته وليس لأي رجل.

back to top