ممّ تقلق الإمارات؟

نشر في 03-06-2012 | 00:01
آخر تحديث 03-06-2012 | 00:01
No Image Caption
 ياسر عبد العزيز إذا كنت من هؤلاء الذين تتيح لهم الظروف التنقل بانتظام بين دول مجلس التعاون الخليجي الست، فلا شك أنك تغبط الإمارات كثيراً، لكونها قادرة باستمرار على تحقيق النمو المطرد والتحديث المستمر بأقل قدر ممكن من المشاكل والمنغصات.

تضرب الإمارات، المتكئة على ميراث من الرشد والحكمة للراحل العظيم الشيخ زايد، المثل من حين إلى آخر في اجتراح التقدم المذهل واكتشاف الآفاق الجديدة، كما أنها تتمتع بدرجة من "الرضا الوطني" ملحوظة، ولولا الاختلال الحاد في تركيبتها السكانية لكانت في وضع يصعب جداً على منافسيها الاقتراب منه.

لقد كان البعض يراهن بـ"شغف" على تعثر تلك الدولة الوليدة تحت وطأة الأزمة المالية العالمية الأخيرة، وكانت التحليلات تنضح أحياناً بالحقد على "الإمبراطورية العقارية/ السياحية المهولة" التي صارت مضرباً للمثل في هذا الجزء القاحل من ساحل الخليج، لكن الإدارة الحكيمة لقادة تلك الدولة استطاعت أن تتدارك المشكلات التي أنتجها النمو المطرد غير المحترز، مستندة بالطبع إلى عوائد النفط السخية التي تملأ خزائن أبوظبي بغض النظر عن حال الاقتصاد العالمي وتذبذبه.

لكن الأسابيع القليلة الماضية حملت أخباراً غير سارة من الإمارات؛ بعضها يتعلق بإغلاق مركزي أبحاث أجنبيين؛ هما مكتب المعهد الوطني الديمقراطي الأميركي، ومكتب مركز كونراد أديناور الألماني.

بعدها كان الحديث يجري عن اعتقال تسعة ناشطين من المنتمين إلى "جمعية الإصلاح" المحسوبة على جماعة "الإخوان المسلمين"، من بينهم الشيخ سلطان بن كايد القاسمي، وهو أحد شيوخ إمارة رأس الخيمة، والذي أفادت أخبار، لم يتسن التأكد من صحتها، بأنه مقيد الإقامة في قصر حاكم تلك الإمارة، وهو ابن عم له في الوقت ذاته.

تنضم تلك الأخبار بالطبع إلى إقدام الحكومة على سحب جنسيات ستة من الإماراتيين في ديسمبر من العام الماضي بداعي "المساس بأمن الدولة وسلامتها"، وبعد الإشارة في الوقت ذاته إلى أنهم "ممن منحوا الجنسية بالتجنس".

لا تحتاج حكومة الإمارات إلى اتخاذ مثل تلك القرارات حيال هؤلاء الناشطين سواء كانوا من العاملين في مراكز أبحاث وطنية أو أجنبية، أو من المطالبين بتوسيع صلاحيات المجلس الوطني الاتحادي، أو حتى من المطالبين بـ"مكافحة الفساد" و"الإصلاح السياسي".

يبدو أن السلوك الذي تتبعه الحكومة حيال هؤلاء الناشطين أكثر حدة مما يجب، ويعكس هذا السلوك رد فعل غير مدروس، وهو يماثل ما يجري لشخص يتمتع بالشباب وقوة البنية ووفرة المال وراحة البال، لكن هواجس غير مبررة تجعله يجري جراحة سريعة كلما أحس بصداع أو عثرت قدمه أثناء ممارسته الرياضة.

من المفيد بالطبع أن تدرس الحكومة الإماراتية ما يجري حولها بتفحص وإمعان، وأن تحسب تداعيات ما يسمى بـ"ثورات الربيع العربي" على أوضاعها الداخلية، ومن المفيد أيضاً أن تراقب بدقة ما يحدث في المنطقة الشرقية بالسعودية، أو في قرى البحرين وميادينها، أو في برلمان الكويت، وما طرأ حديثاً على منتديات وشوارع جارتها الهادئة عُمان.

لكن الإفراط في ردة الفعل لن يكون مفيداً، خصوصاً إذا كان الحراك الإماراتي محدوداً جداً إذا ما قورن بما يقع في أي من تلك البلدان من تضاغط يبدأ من إطاحة الوزراء كما يحدث في الكويت، ولا ينتهي عند الموت في الشوارع كما جرى في غير دولة خليجية أخرى.

ومع ذلك ثمة ما يجب فعله من قبل السلطات الإماراتية إذا أرادت أن تتفاعل تفاعلاً إيجابياً مع إرهاصات الحراك السياسي في هذا البلد، ومن ذلك ما يلي:

توسيع المشاركة: تحتاج الإمارات إلى خطوات أخرى مبادرة في إطار توسيع مشاركة مواطنيها، خصوصاً هؤلاء الذين أتاحت لهم سياسات الدولة التعليمية تلقي تعليماً متقدماً في الداخل والخارج، عبر تطوير تجربة المجلس الوطني الاتحادي، وإتاحة الفرص لإنشاء النقابات، وضم وزراء من الطبقة الوسطى المتعلمة الجديدة إلى الحكومات المتعاقبة.

الرقابة على الإنفاق العام: الإمارات أيضاً بحاجة إلى إنشاء جهاز رقابي ضخم يتمتع باستقلال واضح ومبرهن عليه للرقابة على الإنفاق العام وتلقي شكاوى المواطنين في أنماط الإنفاق المختلفة وتحقيقها وإعلان نتائج التحقيقات وتحريك الدعاوى بحق من يثبت تورطهم في جرائم بحق المال العام.

حرية الإعلام: تحتاج الإمارات إلى جرعة أكبر من الحريات في ممارسة العمل الإعلامي خصوصاً في ما يتعلق بالصحف اليومية الناطقة بالعربية والفضائيات الموجهة إلى الداخل الإماراتي، التي يجب أن تتمتع بقدر أكبر من الحرية والاستقلالية، لتعزز درجة اعتماد المواطن الإماراتي عليها في التزود بالأخبار والتحليلات عن الواقع المحلي، ولتقوم بدورها الرقابي على الأداء العام في الوقت ذاته.

التنمية الشاملة المتوازنة: عندما يشعر أبناء الإمارات الشمالية بأنهم يتمتعون بتقديمات اجتماعية وفرص مكافئة لتلك التي يتمتع بها أبناء أبو ظبي ودبي، فإن ذلك سينعكس من دون شك على درجة "الرضا الوطني" العامة، وسيقلل الميل إلى الممارسات المعارضة، خصوصاً أن الإعلام سيكون أكثر انفتاحاً على المشكلات وأكثر تجاوباً مع الشاكين.

الحوكمة: تحتاج الإمارات التي تتمتع بنظام حكم لا خلاف على شرعيته وعلى تمسك شعبه به ورضاه عنه، إلى قدر من الحوكمة، بمعنى إخضاع الأداء الحكومي لشيء من التقييم، وهو أمر سيزيد من ثقة المواطنين في حكومتهم، وسيعزز ولاءهم لها، وسيحسن الأداء الحكومي في آن واحد.

إذا عملت الإمارات على تحقيق تقدم في تلك الأطر الخمسة، فإنها ستبرهن مجدداً على قدرتها على اجتراح الحلول العبقرية والريادة في مضمار الحداثة بين دول الخليج، ولن تكون في هذا الوقت في حاجة إلى إجراءات حادة من نوع الاعتقال أو الغلق أو سحب الجنسيات.

* كاتب مصري

back to top