إن حركة المطالبات الواسعة بتعديل سلم الرواتب، وما رافق بعضها من إضرابات كانت كلها نتيجة من نتائج سوء السياسة الحكومية المتعلقة بالرواتب، التي ترتبت على تقاعس الحكومات السابقة عن تطبيق القانون رقم (49) لسنة 1982، الذي ينص في مادته الرابعة على التزام الحكومة بمراجعة سلم الرواتب والأجور كل سنتين على الأكثر.

Ad

عادت من جديد مطالبات العاملين في القطاعات الحكومية المختلفة بتعديل سلم الرواتب والأجور أو ما يعرف بـ"الكوادر"، وعادت معها الإضرابات العمالية في بعض الجهات الحكومية الحيوية كالإدارة العامة للجمارك والخطوط الجوية الكويتية.

سبق أن تعهدت الحكومة السابقة في أكتوبر الماضي بتلبية مطالبهما الكاملة، لكن ذلك لم يحصل حتى الآن؛ ما دفع نقابتي العاملين في هاتين الجهتين للبدء بالإضراب الشامل عن العمل الذي سيحمّل من دون شك ميزانية الدولة خسائر ضخمة وسيربك حياة الناس، إذ إنه لا يوجد إضراب في العالم لا يترتب عليه خسائر، وإلا لما قام به العاملون لإجبار صاحب العمل على تلبية مطالبهم التي تتعلق عادة بتحسين الظروف المادية والوظيفية للعاملين، ومن ضمنها تعديل سلم رواتبهم كي يتناسب مع غلاء المعيشة وارتفاع معدلات التضخم النقدي.

يشار هنا إلى أن حركة المطالبات الواسعة بتعديل سلم الرواتب، وما رافق بعضها من إضرابات كانت كلها نتيجة من نتائج سوء السياسة الحكومية المتعلقة بالرواتب، التي ترتبت على تقاعس الحكومات السابقة عن تطبيق القانون رقم (49) لسنة 1982، الذي ينص في مادته الرابعة على التزام الحكومة بمراجعة سلم الرواتب والأجور كل سنتين على الأكثر، وتعديله بما يتناسب مع غلاء المعيشة والتضخم النقدي الذي يزداد سنة بعد أخرى؛ ما يقلل من القيمة الشرائية للدينار، ويلتهم أي زيادة طفيفة على الراتب، كتلك التي أقرت في المدة الأخيرة.

وما زاد الطين بلّة أن عملية تعديل رواتب العاملين في الجهات الحكومية لم تبنَ على رؤية اقتصادية واضحة، بل إنها استخدمت ضمن أدوات اللعبة السياسية؛ ما أفقدها العدالة والمساواة من جهة، وجعلها عرضة للتجاذبات السياسية المتغيرة من جهة أخرى، فتمت المبالغة في منح زيادة "كوادر" بعض الجهات الحكومية وحُرمت أخرى تتشابه معها في طبيعة العمل.

كان من المفترض أن تعترف الحكومة بخطأ السياسة السابقة، ثم تعلن سياسة عامة جديدة للرواتب تلتزم بالقانون (49/82) وتتضمن حزمة إجراءات اقتصادية تعالج التضخم النقدي وغلاء الأسعار، على أن ترتبط بالالتزام بسياسة واضحة ومحددة المدة الزمنية لرفع جودة الخدمات العامة والصحة والتعليم التي تتسبب رداءتها في اضطرار أغلبية المواطنين لاستخدام خدمات القطاع الخاص التي تلتهم جزءاً غير بسيط من دخولهم الشهرية.

مع كل أسف لم تفعل الحكومة ذلك، بل اكتفت بالإعلان عن زيادات مالية طفيفة سرعان ما أعلنت النقابات المضربة رفضها لها، وهو ما يعني أن السياسة الحكومية السابقة المرتبكة وغير العادلة لا تزال قائمة كما هي، وهو الأمر الذي ينبئ بتجدد حركة المطالبات والإضرابات العمالية المسنودة نيابياً ما لم تلتزم الحكومة في الجلسة الخاصة التي سيعقدها مجلس الأمة غداً بتغيير كامل وشامل لسلم الرواتب والأجور ضمن حزمة اقتصادية متكاملة وعادلة... فهل نرى ذلك غداً؟