إذا كانت من صفة واضحة في الحراك الشعبي العربي لعام 2011، عام الثورات العربية، أو ما اتفق عليه بـ"الربيع العربي"، فإن مشاركة الشباب العربي العصري بالتخطيط والحضور والتضحية والفداء، كانت هي الأوضح وهي المشعل الذي كان ولا يزال في المقدمة. ولا أظن أن الكويت كانت استثناءً من ذلك، ونظرة عابرة على أثر التجمعات الشبابية في ساحة الإرادة، وما تمخضت عنه من مجلس أمة جديد منتخب، للشباب حضور ملموس فيه، يدلل على ما لفئة لشباب الكويتي من أثر واضح على سير الأحداث.
لقد عقدت مجلة "العربي" ندوتها السنوية الحادية عشرة تحت عنوان "الثقافة العربية في المهجر" للفترة من 12-15 مارس الجاري، مستقطِبة عدداً كبيراً من المفكرين والكتّاب والفنانين والنقّاد والمترجمين العرب والأجانب المستعربين، وكان ذلك بمنزلة فرصة ذهبية، يصعب تعويضها، للكاتب والمبدع والمثقف الشاب الكويتي ليتعرف على هؤلاء ويتبادل الفكر والتجربة والوصل الإنساني معهم، لكن وبحضوري "تقريبا" لجميع الجلسات، كان لافتاً ومؤلماً الغياب شبه التام للشباب الكويتي عن هذه الجلسات مما يثير علامة تساؤل كبيرة عن الأسباب الخفية وراء ذلك. ولقد شعرت بالحرج في أكثر من لحظة حين كان أحد ضيوف الملتقى يرمي بسؤاله في وجهي: "أين شبابكم الكويتي؟". أو حين يسأل عن اسم بعينه. يعيش العالم عصر الفضاء المفتوح وعصر شبكات التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام التقليدية، المرئية والمقروءة والمسموعة، وكل هذا يصبّ في خانة العلم بملتقى مجلة العربي نافياً الجهالة، لذا والحال هذه صار من الواجب محاولة الوقوف على الأسباب الجوهرية وراء عزوف الشباب الكويتي المهتم بالإبداع والثقافة والفن عن تظاهرة مهمة كملتقى العربي أو تظاهرات وندوات أخرى سابقة. إن المتابع للشأن الثقافي الكويتي، يدرك تماماً وجود المؤسسة الرسمية ممثلة بـ"المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب"، والمؤسسة الأهلية ممثلة بـ"رابطة الأدباء الكويتيين"، و"الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية" إضافة إلى المؤسسات الخاصة وعلى رأسها "دار الآثار الإسلامية"، و"مؤسسة البابطين"، إضافة إلى العديد من الملتقيات والتجمعات الثقافية الخاصة، التي أثبتت مشاركةً وحضوراً مستمراً وفاعلاً منذ سنوات عديدة على الساحة الثقافية. وإذا ما أضيف إلى كل هذا جهود وتغطيات الصفحات الثقافية في الجرائد اليومية. فلماذا والحال هذه يغيب الشباب الكويتي عن الأنشطة الثقافية، والمهم منها خاصة؟ إن البحث في الأسباب، قد يؤدي إلى وضع الحلول الناجعة لمعالجة هذه الظاهرة التي باتت مقلقة لكل من يعمل بالشأن الثقافي، خاصة وأن مقارنة هذا الغياب بإقبال الشباب الكويتي المشتغل بالإبداع والثقافة على الوصل والتواصل مع الأنشطة والملتقيات الخاصة، يشير بشكل واضح إلى وجود خلل واختلال بعلاقة الشباب بالمؤسسة الرسمية والأهلية. فكيف السبيل إلى إصلاح هذا الخلل والاختلال؟ إن مقالاً صغيراً لن يستطيع الإلمام بكل نواحي المشكلة وكذلك اقتراح أو تصور الحلول المناسبة لها، مما يستدعي بالضرورة العمل على مؤتمر أو ندوة موسعة، يُدعى لها بشكل شخصي الجمع المبدع من الشباب الكويتي: شعراء وقصاصين وروائيين وكتاب أعمدة ثقافية وفنانين تشكيليين ومسرحيين وسينمائيين وموسيقيين وصحافيين وإعلاميين وأصحاب ملتقيات ورؤساء الأقسام الثقافية في الجرائد والمجلات، إضافة إلى المسؤولين في الجهات الرسمية والأهلية، لمكاشفة ومواجهة صريحة يقول فيها الجميع الرأي والعتب والحجة، ويصار إلى الاستماع إلى الحلول العملية، وبما يعيد للإبداع والثقافة والإعلام في الكويت وجهه المشرق، وسمعته العربية المرموقة. بنت الكويت لنفسها حضوراً وفعلا ثقافياً عربياً خلال عقود الستينيات والسبعينيات ومطلع الثمانينيات، وللمحافظة على هذا الرصيد المُشرِّف وتجديده يلزم بذل جهد مخلص ومدروس ومنظم، ولا أظن بأن ذلك مستحيل!
توابل - ثقافات
غياب الشباب الكويتي المؤلم!
20-03-2012