هل ارتفع السقف حقاً؟!
هل ارتفع السقف حقا؟! جوابي هو أن ذلك لم يحصل، ولكن قصارى الأمر أن ما كان يقال تلميحاً في السابق ويقتصر ذكره ومناقشته في الدوائر المغلقة قد خرج إلى العلن لا أكثر، وأما الفكرة المطروحة فقد ظلت هي ذاتها. والمتابع الدقيق لمجمل خطابات مرحلة بضع سنوات سبقت، سيجد أنها تضمنت ذات الإشارات والإيماءات، ولكن على استحياء وبتحفظ ودون تصريح.
أكثر ما دار الحديث عنه، ولا يزال، في أعقاب الندوة التي عقدت في ديوان النائب النملان، مسألة ارتفاع سقف الخطاب في تلك الندوة، وأن المتحدثين قد انتقلوا من مستوى الانتقاد المألوف إلى مستوى عال جدا هذه المرة، وأن السقف قد ارتفع، لكن السؤال هنا: هل ارتفع السقف حقا؟! جوابي هو أن ذلك لم يحصل، ولكن قصارى الأمر أن ما كان يقال تلميحاً في السابق ويقتصر ذكره ومناقشته في الدوائر المغلقة قد خرج إلى العلن لا أكثر، وأما الفكرة المطروحة فقد ظلت هي ذاتها. والمتابع الدقيق لمجمل خطابات مرحلة بضع سنوات سبقت، وهي تلك المرحلة المتمثلة بالنصف الثاني من ولايات الشيخ ناصر المحمد تقريبا، وغالب فترة ولايات الشيخ جابر المبارك عدا أشهره الأولى ربما، سيجد أنها تضمنت ذات الإشارات والإيماءات، ولكن على استحياء وبتحفظ ودون تصريح.
وأما خروج هذه الخطابات من دائرة التلميح إلى دائرة التصريح، وإن كان له دلالاته الحركية على مستوى طبيعة الخطاب السياسي الكويتي بطبيعة الحال، فلا يعني مطلقاً أن السقف قد ارتفع فجأة لأن الحراك السياسي الكويتي قد أدرك حقيقة الأمور وحقيقة الديمقراطية الكويتية المختزلة في الإدارة الفردية والاستفراد بالقرار السياسي المؤثر الآن فقط، بل إن هذا الإدراك موجود منذ البعيد، ولكنه وللأسف ظل خجولا مطأطئاً رأسه متلعثما في كلماته، ولذلك لم ينعكس وللأسف على طبيعة التحركات السياسية الشعبية لتظل تتحرك طوال الوقت في المسارات الخطأ، وعلى الصعد غير الصحيحة، ولتنتهي بأن تقطف ثمرات غير ناضجة، بل ضارة أحيانا. وهذه المواربة قد أدت إلى أمرين خطيرين: الأول هو أنها قد أخرت الحراك السياسي عن الوصول إلى تحقيق الإصلاحات السياسية المنشودة، بل لعلها قد زادت الأوضاع سوءا وتأخرا وأعطت للفساد مجالا أكبر لأن يستشري ويترسخ، وأما الثاني فهو أنها أعطت انطباعا خاطئا للسلطة عن حجم فهم هذا الشعب بمجمل فعالياته وقواه السياسية وقياداته النخبوية، وقدرته على استيعاب حقيقة وواقع الديمقراطية الكويتية، مما جعلها تستمرئ التسويف والتباطؤ في إصلاح نفسها والتحرك بالبلاد قدماً إلى ديمقراطية حقيقية تضمن لها الصمود في هذا الواقع الإقليمي الصعب، بل جعلها تظل تعول بأن سكوت الشعب يمكن الاستمرار بشرائه بطريقة العطايا والهبات والمنح المعتادة، وهو ما ثبت خطؤه. السلطة اليوم قد أوقعت نفسها في محيط من الرمال المتحركة، فالحراك الشعبي قد دخل طريق اللاعودة، بغض النظر عن سرعة مسيره في هذا الطريق، وبغض النظر عن حجم التباطؤ والتوهان الذي مر فيه طوال السنوات السابقة حتى وصوله إلى هذه النقطة التي صار فيها الخطاب صريحا وبصوت عال. أبواب الاحتمالات لما قد يجري في القادم من الأيام مشرعة على كل شيء، من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال، واستمرار السلطة في التجاهل والتعويل على "خمول" هذا الشعب وتلكئه في الإفصاح عما يجيش في صدره، وتردده عن التحرك حقا لأجل إصلاح الأمور هو أكبر خطأ يمكن أن تقترفه هذه السلطة في حق نفسها.