فجر يوم جديد: تأييد حبس الزعيم!
حتى هذه اللحظة لم يُستدل على الشخص الذي أطلق على النجم عادل إمام لقب «الزعيم»، وأغلب الظن أن ثمة من استثمر فرصة تقديمه لمسرحية تحمل العنوان نفسه، وأسبغ عليه اللقب بحجة أنه ليس أقل حجماً ومكانة من «سيدة الشاشة العربية» فاتن حمامة و{نجمة مصر الأولى» نبيلة عبيد و{نجمة الجماهير» نادية الجندي... لكن الأمر المؤكد أن عدداً من الانتهازيين والمنافقين لم يروا في اللقب «مكافأة» يستحقها فنان كافح وثابر وحفر لاسمه مكاناً في الصخر، وإنما اعتبروه «حصانة» تعطي لصاحبها الحق في أن يتبنى مواقف سياسية، ويُعامل معاملة القادة والرؤساء، فأسأوا إليه كفنان وخصموا من رصيده كإنسان. الأمر المؤكد أن انقسام الآراء حيال لقب «الزعيم»، وتباين ردود الفعل تجاه عدد من مواقفه وآرائه، لم يُقلل من حجم الصدمة التي أصابت الملايين من محبي فن عادل إمام، والمُقدرين لتاريخه الطويل، بعد الحكم الذي أصدرته محكمة مصرية يوم الثلاثاء الماضي بتأييد حكم صدر في فبراير الماضي بحبسه لمدة ثلاثة أشهر وكفالة 100 جنيه مصري بتهمة ازدراء الأديان والإساءة إلى الإسلام في أفلام : {الإرهاب والكباب» و{طيور الظلام» و{الإرهابي» و{حسن ومرقص» وأيضاً مسرحية «الزعيم»، وهو الحكم الذي يُمَكن عادل إمام من دفع الكفالة مقابل عدم تنفيذ عقوبة الحبس، حسب ما ذهب إليه القانونيون، لكنها ستُسجل كسابقة في سجله الجنائي.
صحيح أن الحكم قابل للاستئناف، لكنه أثار فزع وقلق شرائح اجتماعية كثيرة، وليس جماعة المثقفين والمبدعين وزملائه الفنانين فحسب، فإثارة القضية في هذا التوقيت غريب للغاية. ناهيك بأن الحكم على عمل فني جرى تقديمه منذ سنوات طويلة، بعدما أجازته الرقابة، التي تُعد الجهة الوحيدة صاحبة سلطة الترخيص بعرض الأعمال الفنية أمر يثير القلق، لأنه يعني إمكان محاكمة الأعمال الفنية بأثر رجعي، وأن الدفع بانقضاء الدعوى الجنائية بالتقادم لا يؤخذ به، ويعني أيضاً أن أي «عابر سبيل» يستطيع أن يرفع دعوى لمنع فيلم أنتج وعُرض في سنوات الأربعينات! الأخطر من هذا أن الحكم يُحمل الممثل، دون غيره من صانعي القطعة الفنية كالمؤلف والمخرج والمنتج، مسؤولية ما يُقدم في العمل من أفكار،كما يؤكد عودة قضايا الحسبة الدينية والسياسية، بعد رفض المحكمة دفع محاميي عادل إمام بعدم قبول الدعوى لانتفاء الضرر المباشر على المدعي بالحق المدني، الأمر الذي يهدد حرية الإبداع ويُصيب حرية التعبير في مقتل، ويُشكك في جدوى وجود جهاز الرقابة على المصنفات الفنية ما دامت قراراته غير نهائية، وغير ملزمة، ويمكن الطعن عليها بعد سنوات، على عكس ما روج له المؤيدون، الذين أدخلوا في روع الجميع أن استمرار الرقابة ضروري لتحصين المبدع وحمايته من نفسه ومن المجتمع من حوله! في المقابل، لم يرتح قلبي لدفاع عادل إمام عندما حاول الإدعاء أن موكله لم يُخطر بالدعوى إلا بعد الحكم فيها، وأنه علم بها من خلال الصحف، وهو ما يدل، حسب قول الدفاع، أن مُقيم الدعوى «غاوي شهرة». إنه دفاع متهافت يصرفنا عن القضية الأساسية، ويُعيد على مسامعنا اتهامات وأوصافا سمعناها ومللناها. فالقضية بالغة الخطورة، ولا ينبغي أن يتصور أحد أنها تخص عادل إمام وحده، وإنما تهدد مستقبل مجتمع بأكمله قد يستيقظ يوماً فلا يجد الفن الذي يعبر عن همومه ويعكس قضاياه، إذا نجحت حملة ترويع فنانيه وتهديد مبدعيه، باجتزاء الأعمال، والإخلال بمضمونها، ونزع المشاهد والجمل الحوارية عن سياقها لتشويه توجهها، واستمر المخطط الذي يعكس حالة صارخة من التربص. هذه هي القضية التي ينبغي أن تكون محل اهتمام دفاع عادل إمام بدلاً من طمأنة الصحافة والإعلام بالقول بالحرف الواحد: «مثل هذه الأمور ليست جديدة على «الزعيم»، الذي تعرض سابقاً لأكثر من هذا، حيث طلب عدد من رافعي الدعوى بعد الحكم و{البروباغندا» الصلح، بعدما نالوا قسطاً من الشهرة»... وهي غطرسة وكبر وتعال ونظرة سطحية أخشى على إمام من مغبتها، فما حدث من تأييد للحكم السابق بالسجن والكفالة يؤكد أن الأمر خطير جداً. أما تسفيه القضية بالقول إنها مجرد «بروباغندا» وإن «الصلح قادم» فيعني أن «الزعيم» ورجاله في مأزق حقيقي!