أين الصعاليك العرب ؟!
"نحن بحاجة إلى روبن هود أكثر من أي وقت مضى"... هذا الشعار احتل الصفحة الأخيرة كلها من المجلة التي يصدرها الاتحاد الوطني للصحافيين البريطانيين في عددها الأخير، والمعروف أن روبن هود كان رمزاً قبل مئات السنين للانتصار للفقراء في صراعهم مع محتكري الثروات والأغنياء، فقد كان ينظم غارات ضد الإقطاعيين والرأسماليين الذين انتزعوا ثراءهم من أفواه الفقراء، ليعيد بعض ما نهبوه إلى هؤلاء الفقراء. والمهم في هذا المجال هو الظاهرة والنزعة الثأرية والوقوف إلى جانب المظلومين والمهضومة حقوقهم.والمعروف أنه قبل ظاهرة روبن هود هذا، الذي ظهر في بريطانيا في بدايات التحول نحو الرأسمالية، كان قد ظهر عندنا في الجزيرة العربية قبله بأكثر من ألف عام عروة بن الورد، الذي كان ترأس حركة حملت اسم "الصعاليك العرب"، كان شاعرها وأحد فرسانها الشنفري الأزدي صاحب "اللامية" التي اعتبرت في تلك الفترة المبكرة مدرسة لتعليم الأبناء والأجيال الصاعدة الكرم والشهامة والفروسية والانتصار للفقراء في صراعهم مع الأغنياء، وكأنه قد كان هناك منذ ذلك الحين صراع طبقي، وأن هذا الصراع الطبقي هو الذي شكل منذ بدء الخليقة حركة التاريخ.
كانت ظاهرة "الصعاليك العرب" أول ظاهرة عالمية لانتزاع حقوق الفقراء من الأثرياء بدون وجه حق بالقوة، وكان هؤلاء، الذين خلد الشنفري الأزدي شجاعتهم ونبلهم وكرم أخلاقهم في "لامية العرب"، يغيرون على قطعان ما يسمون "سراة القوم" ووجهاءهم، وينهبون منها ما يستطيعون نهبه ليوزعوه على الفقراء والمساكين، ويقدموه كله إلى هؤلاء ولا يحتفظون لأنفسهم بأي شيء.والآن إذ يتذكر البريطانيون "صعلوكهم" روبن هود فإن المقصود هو الدلالة، فهم أو أغلبهم يقولون إن المشكلة في الموازنة الجديدة تأخذ من الفقراء لتعطي للأغنياء، ولذلك فإنه لابد من هذا الـ"روبن هود" كضرائب على البنوك ليصبح بالإمكان جمع عشرين مليار جنيه إسترليني للعامة، أي الفقراء، والمقصود هنا هو الدعوة لضرائب تصاعدية تصل إلى أكثر من ستين في المئة، على غرار ما هو مطبق في كل الدول الإسكندنافية.إن المشكلة أن الرأسمالية غدت جشعة ومتوحشة، بل ومسعورة في العقود الأخيرة، وأن الطبقة الوسطى غدت في طريقها إلى الزوال حتى في الدول الأوروبية وفي بريطانيا، وهذا يعني أن النظام الرأسمالي نفسه فشل فشلاً ذريعاً، وإن لم يجر تدارك الأمور بسرعة والأخذ بالتجربة الاسكندنافية الناجحة، واعتماد نمط الضرائب التصاعدية التي يجب أن تصل إلى سبعين في المئة، إذا اقتضت الضرورة، فإن العالم كله بات في طريقه إلى عدم الاستقرار والثورات الاجتماعية المدمرة والفوضى غير الخلاقة بالطبع، وهنا فإن علينا نحن في هذه المنطقة العربية، التي تعيش أسوأ ظاهرة لانحصار الثروة في يد الأقلية "القليلة"، وأسوأ ظاهرة لأخذ كسرة الخبز من أفواه الفقراء، وأسوأ ظاهرة لاقتصاد الريع الذي يجعل دولاً فاحشة الثراء مطوقة ببؤر توتر في كل الاتجاهات ويجعلها مزنرة بمناطق عدم استقرار وبزلازل شعبية إن هي تفجرت فستصل إليها لا محالة، وبهذا فإن هذا الربيع هو مجرد "فرحة" والقادم أعظم!