فاجأ شقيق الشاعر الراحل أنس دنقل الوسط الثقافي المصري مجدداً بإعلانه القيام بجمع المخطوطات الشعرية التي تركها أمل والتي لم تنشر في دواوينه السابقة، ليصدرها في ديوان بعنوان «قصائد أولى»، وقال إنه يصل إلى قرابة 100 صفحة، ويشمل القصائد التي تسبق تاريخياً ديوان «البكاء بين يدي زرقاء اليمامة» 1969، والتي استبعدها أمل دنقل، أو أجل نشرها، إلى وقت لاحق.

Ad

وقال أنس في تصريحات صحافية تداولت خلال الأيام الماضية إن غالبية القصائد تنتمي إلى مخطوط «العيون الخضر» الذي سبق اكتشافه في بدايات التسعينيات من القرن الماضي، ويضم 16 قصيدة لم يتضمنها أي ديوان للشاعر الراحل، وأوضح شقيق الشاعر أن القصائد المختارة بين العاطفية التي تعكس علاقات الشاعر المختلفة بالنساء اللائي ارتبط بهن، والاجتماعية التي تتناول بعض الظواهر والوقائع ذات الطابع الاجتماعي والتاريخي في نمط أقرب إلى المباشرة والتعبير الفكري والعاطفي التقليدي كبدايات لتجربة أمل دنقل الشعرية، ولم يحدد أنس دنقل حتى الآن الجهة التي تتولى عملية نشر الديوان الجديد.

خلافات متجددة

استقبل الوسط الثقافي المصري تصريحات أنس بحذر كبير، خصوصاً أنها ليست المرة الأولى التي يعلن فيها عن وجود قصائد مجهولة لشقيقة أمل لتثار عاصفة من الخلافات، لا سيما مع زوجته الكاتبة عبلة الرويني والشاعر رفعت سلام الذي سبق وأن أصدر كتاباً عن أعمال دنقل المجهولة.

لفت أنس دنقل إلى أن الكثير من شعر شقيقه لم ينشر، خصوصاً خلال فترة ما بعد النكسة، التي كان يرتبط فيها النشر بظروف البلد والنكسة، وأن هذه القصائد في مجملها عاطفية مكتوبة في امرأة أخرى، فيما تصر عبلة الرويني على إخفائها، لا سيما أن من يقرأ هذه القصائد يعلم أنها ليست كلها كتبت في عبلة الرويني، وإنما في نساء أخريات.

الكاتبة والناقدة الأدبية عبلة الرويني تؤكد دوماً احتفاظها بكل أوراق الشاعر، وأنه لم يترك أي ديوان من دون طباعة، بل مجموعة من قصائد البدايات، وعددها ست عشرة قصيدة، رفض أمل نشرها في حياته بسبب ضعفها الفني على الأرجح، وكان غير راض عنها. ورفضت الرويني التعليق على ما أثاره شقيق الشاعر الراحل مجدداً.

من جهته أكد الشاعر رفعت سلام أن ضعف المستوى الفني ليس مانعاً لنشر قصائد المبدع الأولى، وسبق أن سمع وقرأ هذا الكلام على لسان الرويني أكثر من مرة، ورده عليه أن يجب علينا نشر كل ما خطت أيادي المبدعين وإتاحته للأجيال القادمة.

يقول الناقد الأدبي الدكتور مدحت الجيار {كل ما يخطه المبدع لا بد من أن يكون متاحاً لمن بعده، ويجب نشره، مشدداً على ضرورة نشر كل ما يتعلق بالمبدع وإتاحته للنقاد لتصنيفه مع عدم المساس به أو محاولة تغييره}.

وعن الضجة المثارة حول أمل دنقل، قال الجيار: {أصبح الشاعر أمل دنقل مثالاً للشاعر الحائر مع ورثته، فكل شخص لديه قصيدة ما يريد المزايدة بها}.

ويتفق معه الشاعر شعبان يوسف، مشيراً إلى أنه لا توجد أزمات في أوروبا والعالم من حولنا، حيث يبادر الجميع إلى تقديم أي عمل يتم العثور عليه إلى دور النشر وإتاحته للقراء والنقاد، مشيراً إلى أن تاريخنا العربي يزخر بالأعمال التي لم نسمع عنها أو أتيحت للقراء بالشكل الكافي، فتعد مجهولة. وذكر يوسف عدداً من الأعمال، من بينها كتاب «العائلة» للكاتبة أوليفيا عويضة عبد الشهيد الأقصرية، وصدر 1912، يحتوي على نثر وشعر هائلين، ولها 20 كتاباً، وكانت شاعرة صعيدية وقد هوجمت، وهو ما جعلها تكتب باسم مستعار هو «الزهرة».

وكتاب «اثنا عشر عاماً في صحبة أمير الشعراء» كتبه أحمد عبد الوهاب أبو العز، سكرتير الشاعر أحمد شوقي، وكتاب «نماذج فنية من الأدب والنقد» لأنور المعداوي، وكتاب التاريخ «المصري القديم» لعبد القادر حمزة.

ميراث الأدباء

 

تلقي الأزمة الأخيرة الضوء مجدداً على ما يتركه الأديب من نصوص إبداعية مخطوطة، وهل من حق ورثته الامتناع عن نشرها أم لا؟ وإذا ترك الأديب وصية ما ألا يجب تنفيذها؟ سؤالان كانا وما زالا محل خلاف دائم، فبعد وفاة الأديب نجيب محفوظ، اعترضت زوجته عطية الله وابنتاه على نشر وطبع كتبه لدى مكتبة «نهضة مصر» التي ظل أديب نوبل يتعامل معها طوال حياته، ورفضت الأسرة نشر آخر ما خطه من خواطر أثناء فترة المرض وسماها «أحلام فترة النقاهة»، وبوساطة الأديب جمال الغيطاني تم حل المشكلة، إنما نشرت الكتاب دار أخرى.

 كذلك نشبت أزمة بين ورثة الشاعر الكبير محمود درويش حول ديوانه الأخير والمسلسل التلفزيوني الذي تناول سيرة حياته. وثمة أدباء تركوا وصايا بعدم نشر أعمالهم، لكن غالبيتها شفاهية، كما ورد على لسان عبلة الرويني زوجة الشاعر أمل دنقل، حينما قالت إن الشاعر الراحل أكد على عدم نشر بعض مخطوطاته التي في حوزتها.

كذلك ثمة عدد كبير من الأدباء تركوا وصاياهم، لكنها لم تخص مخطوطاتهم بل تناولت نهاياتهم وطريقة إقامة الجنازة عليهم مثلما كتب الأديب السوري الكبير حنا مينا في وصيته التي تناولت رغبته في نهاية هادئة وجنازة بسيطة، ويشير البعض إلى أن محمود درويش كتب وصيته في كتابه «ذاكرة النسيان» الصادر في بيروت عام 1982، حيث وصف جنازته «أن تكون حسنة التنظيم، يضعون فيها الجثمان السليم، لا المشوّه، في تابوت خشبي ملفوف بعلم واضح الألوان الأربعة، تزينها أكاليل من الورد الأحمر والورد الأصفر، لا أريد اللون الوردي الرخيص، ولا أريد البنفسج لأنه يذيع رائحة الموت، أريد مذيعًا قليل الثرثرة، قليل البحة، قادرًا على ادعاء حزن مقنع، يتناوب مع أشرطة تحمّل صوتي بعض الكلام».

على عكس كثير من الأدباء العرب، تزخر صفحات ومواقع أدباء ومشاهير العالم بوصاياهم، ويؤكد معظمها للمفارقة على عدم نشر مخطوطاتهم وما تركوه من إبداع وكثير من هذه الوصايا لم ينفذ.

في وصيته، طلب الكاتب التشيكي فرانس كافكا أن تحرق أعماله الأدبية غير المنشورة، وأن تمنع طباعة باقي أعماله الأدبية بعد رحيله، لكن صديقه ماكس برود لم ينفذ وصيته وأنقذ بمخالفته رغبة صديقه كافكا إرثاً أدبياً غير خارطة الرواية العالمية. كذلك أوصى الروائي الروسي فلاديمير ناباكوف بحرق عمله الأخير غير المكتمل «أصل لورا» غير أن آخر ورثته نشره.

الروائي أنطون تشيخوف أوصى بعدم نشر جميع أعماله، لأنه كان يرى أن الكثير من القصص التي كتبها لا تستحق النشر، إما لأنه كتبها على عجالة، أو بحثاً عن بعض روبلات من الناشرين كان يحتاج إليها، إلا أن أكاديمية موسكو خالفت وصية تشيخوف، ونشرت جميع أعماله.