لا شك أن إصلاح التعليم الديني من أهم تحديات التيار الديني العربي الحاكم الآن.

Ad

فهل يستطيع هذا التيار أن يحرك الصخور الضخمة، التي تعترض طريق نهر الإصلاح التعليمي؟

تقف كثير من النخب العربية إلى جانب التعليم الديني التقليدي، الذي يتعارض مع مصالحها الموضوعية، وحجة بعض هذه النخب تقول:

"إن الدعوة إلى إصلاح التعليم الديني، وتغيير مناهج التعليم الديني- التي تتبناها أميركا- تسعى إلى تحجيم دور التعليم الديني، وتقليصه، وتضييق مساحته، بحيث لا يكون له تأثير في حياة المسلم". وتضيف بعض هذه النخب بقولها:

"أيريدون أن يُحذف من مناهج التعليم الديني كل ما يُنشئ الشخصية المسلمة المتكاملة التي تؤمن بالحق، وتجاهد في سبيله، وتضحي كما يضحي إخواننا في [حماس] و[الجهاد الإسلامي] وغيرهما من فصائل الجهاد. إن التصريحات التي تتهم التعليم الديني بـ[تفريخ] الإرهاب، كلام باطل، لا يقوم على أي منطق عقلي، أو عصري، أو ديني، أو خلقي، أو عرفي، أو وضعي، ومرفوض من ألفه إلى يائه. إن أميركا تريد تعديل المناهج الدينية بحيث تُصاغ صياغة ترضيها، وهذا أمر عجيب حقاً، أن يفرض علينا نحن العرب والمسلمين ما فرض على اليابان، وألمانيا، أعداء أميركا، والحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية".

ويقول جانب من أعداء إصلاح التعليم الديني: "إن المخطط الذي يستهدف صروح التعليم الديني، يريد أصحابه منه تحقيق هدفين رئيسين هما: إماتة الروح الجهادية أو إضعافها، وفصل الدين عن السياسة تماماً، وحصره في المساجد".

ويقول أعداء إصلاح التعليم الديني:

"إن المطلوب من الدوائر المعنية بموضوع الإصلاح الديني ليس مجرّد إزالة الغموض عن بعض المصطلحات، التي تجلب الحساسيات أو تستفز أتباع الأديان الأخرى، بل العلمنة الشاملة لبرامج التعليم، حتى تُختزل المعلومات الدينية فيه إلى مجرّد طقوس، أقرب إلى الفلكلور أو الثيولوجيا (الأساطير الدينية) منه إلى الرؤية الشاملة المنهجية والعملية للإنسان والكون والحياة، كما هو شأن العقيدة الإسلامية نصاً وتنزيلاً.

ومن المعلوم أن الأساطير– حسب مالينوفسكي– حكاية تعيد الحياة لواقع أصلي، وتستجيب لرغبة دينية عميقة، ولكن المنحى العلمي والنزعة العقلانية، صارا منذ أمد بعيد يزيحان من دائرتهما الحدث العجائبي، ليُلقيا به في حيز من المعتقدات الشعبية، ضمن الخرافات والأساطير. كما يقول حمادي المسعودي ("العجيب في النصوص الدينية"، مجلة "العرب والفكر العالمي" ع13/14، بيروت، 1991).

الإصلاح التعليمي الديني البورقيبي

ويهاجم أعداء إصلاح التعليم الديني ما تمَّ في تونس "البورقيبيّة" من إصلاح تعليمي ديني، يُعتبر الرائد في العالم العربي والإسلامي، وربما لن يبقى أو يستمر بعد ثورة ديسمبر 2010. ويعتبر أعداء إصلاح التعليم الديني، أن ما تمَّ كان كارثة كبيرة على الدين، وأن الإصلاح كان هدماً للدين، من خلال الخطوات التالية:

1- النزعة التي تنحو منحى التشكيك في كل شي‏ء، بما في ذلك المعلوم من الدين بالضرورة.

2- استبعاد المسائل الشرعية والفكرية الإسلامية التي لها علاقة بالفكر السياسي الإسلامي، مثل الحكم، والخلافة، وحاكمية الشريعة، ونحو ذلك.

3- إظهار التاريخ الإسلامي السياسي بمظهر الصراع اللانهائي على السلطة والقتل والخداع والمكيافيلية، في سبيل "الكرسي" والحفاظ على العرش، حتى لو سُخِّر الدين، ووظفت آلياته ومخزوناته في سبيل ذلك.

4- التركيز على علم الكلام بما هو فرق إسلامية متناحرة، وتقاتل مذهبي، حول مسائل "بيزنطية فارغة"، لا طائل منها في الدين، ولا في الدنيا. وتالياً، ينشأ الطالب متشككاً حائراً ينظر إلى تراثه الإسلامي، وإلى تاريخ الإسلام والمسلمين كعنوان عريض للتقاتل، والتناحر، و"الدروشة"، والتقليد، ومحاربة الاجتهاد والمجتهدين.

5- حظر الدروس الدينية المختلفة (بما فيها تجويد القرآن) في المساجد.

6- منع الحجاب الإسلامي، في الجامعات والمدارس والإدارات العامة، وملاحقة أعوان البوليس للمتحجبات حتى في بيوتهن، وفي الشوارع. ولا يزال هذا الأمر ساري المفعول حتى الآن.

7- شُكِّلت لجنة عليا لمحاربة الكتاب الإسلامي، بزعامة مثقف شيوعي متطرف (أنس الشابي)، ومصادرة الكتاب الإسلامي من جميع المكتبات ومعارض الكتب، وحتى البيوت. ويسري المفعول نفسه على المطبوعات الإسلامية الأخرى، حتى غدت تونس في التسعينيات، البلد الوحيد في العالم تقريباً الذي لا تدخله أي مجلة أو جريدة إسلامية.

8- تعميم نوادي الرقص المختلط في المدن والأحياء، وتشجيع الرذيلة، والعلاقات المحرّمة، وباقي الملذات.

9- إلغاء المصليات والمساجد المنشأة في الدوائر الخاصة والعمومية، مثل المصانع، والمعاهد، والجامعات، والإدارات، والمؤسسات المختلفة.

10- فتح المهاجع الجامعية المختلطة، مما أدّى إلى وقوع كوارث جنسية وخلقية فظيعة في الجامعات التونسية، وصل إلى حدّ توزيع "العازل المطاطي" جهاراً نهاراً، على الطلاب والطالبات.

11- وأخيراً، تعيين وزير للتربية شيوعي متطرف (الراحل محمد الشرفي)، الذي قام بتغيير مناهج التربية الإسلامية في كل القطاعات التعليمية، وصولاً إلى جامعة الزيتونة، التي شهدت قطيعة معرفية ومنهجية حقيقية، عن جامعة الزيتونة التاريخية.

الإصلاح من مطالب المُغرر بهم!

ويؤكد أعداء إصلاح التعليم الديني، أن الوسائل الإعلامية الغربية والعربية، وبعض المثقفين الغربيين المُغرر بهم، طالبوا بإلغاء التعليم الديني، وتعديل المناهج المدرسية الدينية بما يتناسب واتجاهاتهم نحو تركيع الأمة الإسلامية وتجريدها من هويتها وقيمها. فلا يملك الإعلام الغربي والمثقفون، العمق الثقافي والتحليل المنطقي اللذين يمكنانهم من سبر أغوار القضية، وقد ثبتت سطحية التفكير الذي يعبرون عنه، بدليل تخبطهم في إثبات الحقائق، ولمداراة فشلهم في ذلك، وجهوا التهم جزافاً على كل ما هو إسلامي، بسبب تلك الأحداث التي اقترفتها شرذمة منحرفة، أجرموا في حق الدين الإسلامي، وفي حق المجتمعات التي ينتمون إليها. ويعنون في ذلك كارثة الحادي عشر من سبتمبر 2001.

* كاتب أردني