مظاهر تضعضع وتداعي الدولة تتوالى، ولا أريد أن استخدم تعبير "انهيار الدولة"، المتداول حالياً، لأنه يدمي قلب كل كويتي مخلص ومتحرر من الدوافع المصلحية والأهواء الشخصية، وفي هذه الأوضاع المزرية يلوك السياسيون جدل قضايا تعديل الدوائر الانتخابية، والصراع الانتخابي المقيت القائم منذ سنوات على مقاعد ومناصب تدمر أكثر مما تعمر، وتفسد أكثر مما تصلح، وتمزق ما تبقى من وحدة الوطن أكثر ما تجمع وتعالج تصدعاته وصداماته الفئوية والقبلية والطائفية التي أصبحت وجبة الكويتيين الدائمة. البلد في حالة ضياع مفجع متعدد الأوجه في معظم مرافقه، فطائرات مؤسسته الجوية، التي أسسها الكويتيون، وكانت طائر الفخر الذي يعكس حنكة رجال أعماله وأبنائه، وتنبئ عن بلد مدني ناهض ومتطور، بات ذلك الشعار الذي تجول به العالم يعكس رمز الخطر الناجم عن الفشل في الإدارة والفساد، وتنازع السلطات وتناحرها القائم في الكويت، وبينما يتم تقويض هذه المؤسسة الوطنية بتراثها ورمزيتها، فإن موظفيها بانتظار صرف 140 مليون دينار لهم كتعويضات عند خصخصتها... وتطالب نقابتهم بروح المسؤولية والفداء الوطنيين بمزيد من الامتيازات وملايين الدنانير لمنتسبيها!! ما يعكس حالة مصلحية مرضية لدى المواطن... ومطار البلد هو الآخر يعكس صورة مأساوية، فمستخدموه وزواره يكاد يختنقون ويموتون في صالاته من الزحام، وكذلك في مواقف سياراته، بسبب تراكم مئات السيارات فيه، وانتشار دخان عوادمها، بسبب الزحام الشديد وحرص مشغل المواقف على جمع المال حتى لو مات الناس فيه اختناقاً، وشوارع الديرة مرتع للفوضى والموت دون رقيب أو حسيب، وإدارات الدولة مثال للبيروقراطية والمحسوبية، والقطاع الصحي تديره الأهواء والتكتلات الحزبية الأصولية والقبلية، والتعليم العام يخرج من الثانوية العامة بنسب نجاح لا يوجد لها مثيل حتى في أميركا واليابان وألمانيا والدول الاسكندنافية، في عملية خداع على مستوى الوطن، سيكون لها ثمن باهظ في المستقبل على المستوى المهني وفي جميع المجالات العملية في البلد. وفي خضم هذه المآسي الوطنية، يريد من أغرقنا فيها، وكان شريكاً في صنعها، أن يشغل البلد بمعركة عبثية للتصدي، ليدشن حملته الدعائية الانتخابية لقرار افتراضي حول تعديل الدوائر الانتخابية كان قد قبله من السلطة في عام 1981 ولم يعترض عليه، أو خطاب من 28 مواطناً حول إصلاحات سياسية لا يمكن أن يتفق عليها مجتمع متوتر طائفياً وقبلياً ومتنازع بين مكوناته بسبب طرحهم المجزأ، الناتج عن الخطاب الأصولي والقبلي، الذي رعاه رموز قيادة الأغلبية في مجلس الأمة 2012 المبطَل بحكم دستوري، بعد أن كانوا من قبل يتهمون السلطة بأنها تستغل الدين والقبيلة في الممارسات الانتخابية والسياسية، بينما هم يستخدمونها الآن أسوأ استخدام للوصول للكرسي حتى لو كان ذلك على أنقاض البلد. لذلك فإنني، وأعتقد كذلك معظم الكويتيين، غير معنيين ببدعة دواوين الاثنين الجديدة، لأن من يديرونها مفروزون على أسس طائفية وعرقية، ومنهم من تسبب في واقعنا الحالي نتيجة أدائهم خلال العشرين عاماً الماضية، فهم من أوقف المشاريع لأنهم لم يستطيعوا أن يواجهوا الفساد بجدية، و"الكويتية" مثال على ذلك، فبدل أن يواجهوا المفسدين فيها اكتفوا بوقف حساباتها الختامية وميزانياتها، لأن المتهمين اخترقوا النواب بعمليات التوظيف والمنافع لهم، فأسكتوهم منذ استجواب المرحوم النائب سامي المنيس في عام 1997، الذي كشف مشاكل "الكويتية" والفساد فيها، فلم يقفوا موقفاً جدياً معه لمواجهتها. الوضع في البلد خطير ولا يحتاج إلى مزيد من صراخ الميكروفونات وأفلام "حدس" التي ينظمونها في ساحة الإرادة، ووثائقهم التي يدسونها على بعض الشباب من حسني النية، ليوقعوا عليها ليستخدموها لاحقاً في مساوماتهم مع السلطة، ووسيلة لوصولهم إلى مراكز القرار، بل نحن بحاجة شديدة إلى طبقة سياسية جديدة يقودها منقذ للبلد مفكر وإداري واقتصادي على شاكلة لي كوان يو السنغافوري... بدون صراخ الميكروفونات وغوغائية الساحات.
أخر كلام
كرسي... على أنقاض البلد!
15-07-2012