قبل سنوات عديدة، اصطحبت أطفالي لزيارة المواقع التي شهدت الإنزال في يوم بداية العمليات العسكرية في نورماندي. وكنت أريدهم أن يدركوا التضحيات التي بذلها آخرون حتى يصبح بوسع شعوب أوروبا وأميركا الشمالية أن تتمتع بمزايا الحياة والحرية وأن تسعى وراء السعادة. ولقد زرنا الشواطئ التي لا يزال صدى أسمائها يتردد عبر التاريخ - أوماها، ويوتاه، وجونوا. وتظل هذه الشواطئ بمنزلة النصب التذكاري لفكرة مفادها أننا معاً قادرون على التغلب على أي تهديد، مهما عظم.

Ad

والواقع أننا نفهم المستقبل المظلم الذي كان ليخيم ليس فقط على أوروبا، بل والعالم كله، لو لم تساعد أميركا الشمالية أوروبا في وقت الشدة. ونحن نعرف أن عمليات الإنزال هذه خلقت روابط فريدة من نوعها بين القارتين.

ولا يزال هذا الارتباط يشكل أهمية بالغة للحفاظ على قيمنا وأمننا. ولكن، بعد الحرب الباردة، افترض العديد من الناس أن التجسيد المؤسسي لهذا الارتباط - منظمة حلف شمال الأطلسي - قد يتلاشى. ولكن لم يحدث هذا، لأن ارتباطنا لا يقوم على تهديدات مشتركة فحسب، بل على مثل عليا وقيم مشتركة، أيضاً. والواقع أن هذه المؤسسة لن تذوي ما دامت رغبتنا في الحرية قائمة. لم يكن حلف شمال الأطلسي في احتياج إلى أسباب خارجية لوجوده، ولكن التاريخ سيقدم هذه الأسباب قريباً.

في البوسنة وكوسوفو، تدخل حلف شمال الأطلسي لمنع انتهاكات حقوق الإنسان. وفي ليبيا، نفذنا قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي قضى بحماية المدنيين. وفي أفغانستان، نعمل على حرمان الإرهابيين من ملاذ آمن.

تطور الحلف إلى منظمة حقيقية لإدارة الأمن تتمتع بالمرونة والكفاءة والجدوى من حيث التكاليف. ولقد تغيرت التهديدات فأصبحت ذات صبغة أكثر عالمية، فتغيرنا نحن حتى يتسنى لنا أن نواجهها.

ويعكف حلف شمال الأطلسي على بناء قدراته الدفاعية في مجال الصواريخ الباليستية لحماية شعوبنا الأوروبية وأراضيها ضد تهديد خطر ومتعاظم. وفي المحيط الهندي يعمل حلف شمال الأطلسي بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي وغيره من الجهات لحراسة الممرات البحرية الرئيسية التي يهددها القراصنة. وفي بلدان العالم المختلفة، ينفذ حلف شمال الأطلسي مهام مثل إزالة الألغام، والإغاثة من الكوارث، وتقديم المشورة حول كيفية وضع القوات العسكرية تحت السيطرة الديمقراطية، والعمل عن كثب مع الأمم المتحدة لمنع الأذى عن الأطفال.

صحيح أن مثل هذه الجهود قد لا تتصدر عناوين الصحف الرئيسية، ولكن الأمن مثله كمثل الصحة - فلن تشعر به أبداً إلى أن تفتقده. ولهذا السبب يحتاج المرء إلى ضمان. ويشكل حلف شمال الأطلسي الضمان الأمني الأكثر صلابة للعالم أجمع. ولقد وفرت المنظمة التي يشارك في عضويتها 28 دولة مزايا أمنية لكل الحلفاء، عاما تلو الآخر، لأكثر من ستين عاماً.

في هذه الأيام يجتمع ممثلو نحو ستين من الدول الأعضاء والشريكة والمنظمات الدولية في شيكاغو لحضور أحدث مؤتمرات قمة حلف شمال الأطلسي، وهو التجمع الأكبر في تاريخ الحلف، من أجل معالجة بعض المسائل الأمنية الأضخم على الإطلاق في عصرنا.

وتتركز مناقشاتنا على هذه القضايا: نقل المسؤولية الأمنية كاملة إلى الأفغان، والتطوير المستمر لقدرات الحلفاء العسكرية، وإنشاء شبكة عالمية من الشراكات مع حلف شمال الأطلسي.

فأولاً، سنؤكد على التزامنا باستقرار وأمن أفغانستان. وعلى مدى الأشهر القليلة المقبلة، سيتحول دورنا من القتال إلى التدريب والتوجيه. وبحلول نهاية عام 2014، ستنتقل المسؤولية كاملة إلى الأفغان عن أمنهم.

ثانياً، مع اقتراب مشاركتنا العسكرية في أفغانستان من الانتهاء، فيتعين علينا أن ننظر إلى المستقبل وأن نطور قدرات جديدة صالحة لعصر جديد. وفي وقت حين يتم خفض موازنات الدفاع إلى النصف تقريباً في مختلف بلدان الحلف، فإن هذا يتطلب اتباع نهج جديد.

ومن خلال العمل الجماعي لتعظيم أصولنا ومواردنا، نستطيع أن نقوم بالمزيد بالاستعانة بما يتوفر لدينا من هذه الأصول والموارد بالفعل. وهذا هو جوهر "الدفاع الذكي". وفي شيكاغو، سيلتزم الحلفاء بهذا النهج بوصفه استراتيجية طويلة الأمد لتحسين قدرات حلف شمال الأطلسي.

وأخيرا، ستحتل الشراكات مكاناً بارزاً على الأجندة في شيكاغو. على مدى الأعوام العشرين الماضية، عمل حلف شمال الأطلسي على إنشاء شبكة من الشراكات الأمنية مع بلدان في أنحاء العالم المختلفة. وخلافاً للحلفاء فإن الشركاء لا تغطيهم الفقرة الخامسة، وهي الفقرة الخاصة بالدفاع الجماعي لمعاهدة حلف شمال الأطلسي. ولكن التهديدات عبر الوطنية تتطلب حلولاً متعددة الجنسيات، ولا شك أن شراكاتنا ستساعدنا في مواجهة التحديات المشتركة.

ويعقد حلف شمال الأطلسي مشاورات منتظمة مع كل شركائنا. كما يساعد الحلف الأطراف المهتمة بالإصلاح الدفاعي. والعديد من شركائنا يساهمون بقدراتهم وخبراتهم القيمة في عملياتنا.

لقد بدأت بالحديث عن إدراكي الشخصي للارتباط المهم بين شمال أميركا وأوروبا. ولكن هذا الارتباط يذهب إلى ما هو أبعد مما نتصور. كانت شيكاغو منذ فترة طويلة قِبلة للعديد من المهاجرين الأوروبيين. والواقع أن نجلي يعيش في إيلينويز، ليس بعيداً عن شيكاغو، مع زوجته وولديه. وبين أحفادي الأربعة، هناك اثنان أوروبيان واثنان أميركيان.

وعندما أفكر في الأسباب الداعية إلى الحفاظ على ارتباطنا عبر ضفتي الأطلسي من أجل أجيال المستقبل، فأنا لا أفكر في أمني الشخصي فحسب، بل أفكر في أمن هذه الأجيال أيضاً. وهذا السبب وحده يكفيني.

* أندرس فوغ راسموسين ، الأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»