ليس لدي أدنى شك من أن الحكومة ستطلب إعادة إلغاء نص المادة 15 من قانون الجزاء، التي تعاقب على جريمة إذاعة الأخبار الكاذبة إلى مجلس الأمة مرة أخرى، وذلك لرفضها الموافقة على قرار المجلس في إلغاء تلك المادة والتي لم يتبق لإلغائها عمليا سوى الانتهاء من المداولة الثانية.

Ad

وبالرغم من أن تعديل المجلس لقانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية بما يسمح الطعن على أحكام الجنح أمام محكمة التمييز مهما كانت العقوبة الصادرة من محكمة الجنح المستأنفة لن يؤثر كثيرا برأيها لكونها مرتبطة بإجراءات التقاضي أمام المحاكم وبرأيي لا أسباب لردها، إلا أن إلغاء المادة 15 من قانون الجزاء سيدخل السلطتين في خلاف سياسي عنوانه الرئيسي أزمة رد القوانين، بدأت منذ رد الحكومة لقانوني إعدام المسيء للذات الألهية والرسول وزوجاته وقانون جامعة جابر إلى جانب نص المادة 15 من القانون.

ولكن ماهي الأسباب التي ستدعو الحكومة إلى طلب رد قانون إلغاء تعديل نص المادة 15 إلى مجلس الأمة؟ والإجابة عن هذا التساؤل برأيي ستكون باعتبارين الأول قانوني والثاني أمني وأعتقد جازما أن الحكومة ستركز في ردها على الجانب الأمني أكثر في سبيل تسويق فكرة الأمن العام للبلاد وهو ما كان النص القانوني الملغى من مجلس الأمة يستوعبها بالكامل وكان يسمح لجهة الضبط أن تستوقف من تريد في سبيل حماية أمن البلاد الداخلي والخارجي وإلغاء هذه المادة سيعرض البلاد لأخطار كبيرة لا يمكن تداركها.

بينما البعد القانوني الذي يتوقع أن ترتكن اليه الحكومة في ردها بأن إلغاء هذه المادة أوجد فراغا قانونيا في مساءلة المشتبه في تورطهم بجرائم إذاعة الأخبار الكاذبة في البلاد ويعرض مصالحها للخطر وهو الأمر الذي يتعين على مجلس الأمة أن يوجد نصوصا قانونيا تساهم في مساءلة المتهمين في هذا النوع من الجرائم وبالتالي كان يتعين على المجلس تعديل نص المادة 15 بما يزيل عن النص الملاحظات التي تناولتها اللجنة التشريعية بشأن عمومية النص الوارد وإعادة صياغتها لا إلغاء المادة 15 برمتها.

وبعيدا عن هذين الاعتبارين فلا أجد تبريرا آخر ستستعين به الحكومة إلى رد هذا القانون والذي يعتمد عليه الجهاز الأمني بشكل كبير لكونه يستوعب عددا من الأفعال التي بالإمكان قد تقع تحت طائلة التجريم ويكفي ان تكون مدعمة بتقرير من التحريات الأمنية ينتهي إلى تجريم الواقعة.

وبالرغم من كثرة الإحالات لنشطاء وكتاب وحتى نواب في مجلس الأمة وفقا لهذا النص لمحاكم الجنايات إلا أن القضاء الجنائي انتهى في الغالب من تلك القضايا إلى براءة المتهمين من التهم المنسوبة إليهم، إلا أن قضاء المحكمة الدستورية لم يتمكن من بسط رقابته لهذا النص ومدى ملاءمته للدستور، سوى ما عرض أمام لجنة فحص الطعون في الطعون المقامة من النواب أحمد لاري وعدنان عبدالصمد في قضية التأبين بعدم قبول لجنة فحص الطعون للطعن المقام منهما بعدم دستورية النص وذلك لانتفاء مصلحتهما من الطعن على اعتبار أن محكمة الجنايات قضت ببراءتهما من التهم المنسوبة إليهما ولا مصلحة لهما من إثارة هذا الطعن.