وقع بيدي تقرير قديم كانت قد نشرته مجلة المجلة في شهر سبتمبر 2004م بعنوان: الحياة بعد عصر النفط، حيث أكد أن الحديث عن أهمية أن تتعامل الدول النفطية بجدية مع احتمالية التحول عن النفط كمصدر رئيس للطاقة، ليس محض تخوف متشائم لا يقوم على أساس صلب، بل هو حديث يستند إلى دلائل ودراسات علمية مؤكدة.
يذكر التقرير أن السياسي والعالم البريطاني سير كريسن تيكل قال في عام 1994م: "إن المرء يصاب بالدهشة حين يرى الجهود المتواضعة التي نبذلها لتقليل اعتمادنا على النفط. لقد حان الوقت لفعل شيء ما، والسؤال هو، إذا لم يكن الآن فمتى؟ وإذا لم نكن نحن المبادرين فمن؟". ولعل المثير للانتباه حقا أن يكون هذا الكلام قد قيل منذ قرابة العشرين عاما. ويذكر التقرير في جانب آخر منه أنه: "خلال فترة الحظر العربي على تصدير النفط في سبعينيات القرن الماضي بدأت الشركات الأميركية فورا بالإنفاق على الأبحاث المتعلقة بإيجاد بدائل أخرى للطاقة أبرزها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لكن تلك الفورة سرعان ما انتهت في منتصف الثمانينيات بعد انخفاض أسعار النفط بشكل كبير". لكن تلك الفورة- كما أسماها التقرير- وعلى الرغم من خمودها في الثمانينيات، فإنها حدت بدول أخرى بالانطلاق في مسيرة البحث عن مصادر بديلة للطاقة مثل اليابان وألمانيا والصين وحتى بريطانيا، وذلك في مجالات طاقة الرياح وطاقة الشمس وطاقة المياه الجارية والهيدروجين وطاقة الكتلة الحيوية، أي الطاقة المنتجة من المخلفات العضوية، ولا أشك اليوم أن هذه الفورة قد عادت إلى النشاط مرة أخرى وربما بشكل أعتى بعد الارتفاع الكبير في أسعار النفط في السنوات الأخيرة! ويذكر التقرير كذلك أنه في عام 1999م بلغ الإنتاج العالمي للطاقة المستمدة من الرياح أكثر من 10000 ميغاوات، أي ما يعادل 16 مليار كيلوواط من الكهرباء، ويضيف بأنه رغم ارتفاع تكلفة المعدات المستخدمة في إنتاج مثل هذا النوع من الطاقة، فإنه يمكن لها أن تنخفض إلى 40% لو مولت هذه المشاريع بنفس طريقة تمويل مشاريع النفط والغاز! ومن المعلومات العلمية المدهشة كذلك والتي ذكرها التقرير أن الإشعاع الذي يسلط على الأرض كل 72 ساعة يعادل كل احتياطيات الطاقة المخزونة داخل الأرض من فحم وبترول وغاز طبيعي! ويذكر التقرير أيضا أن شوفالي صاحب كتاب "المعارك الطاقوية الكبرى" قال في كتابه إن "الطاقة العالمية تتميز بشيوع التخوفات وبالتالي ينبغي التركيز على التنوع الطاقوي، وتخفيض تبعيتها للطاقات الحفرية الكبرى"، وأردف قائلا إن "الطاقات المتجددة التي لا تساوي سوى 10% مقارنة بالبترول والغاز والفحم ستلعب دورا مهما في المستقبل، مختلقة صدمة إيكولوجية في مصلحة البشرية والكوكب الأزرق"! والآن إلى السؤال المهم، ما الذي أريد الوصول إليه من هذا الكلام؟ ما أقصده وبكل بساطة هو التأكيد أن عجلة البحث عن مصادر بديلة للطاقة، آخذة في الدوران بسرعة كبيرة في العالم الصناعي ناهيك عن أن هذا العالم يؤرقه وبشكل متواصل اعتماده على نفط الشرق الأوسط، ويتمنى لو انعتق من قيود هذا الاعتماد المرهق الباهظ الثمن، وأنها سرعان ما ستفاجئنا بانعتاقها فعلا أو بتقليص اعتمادها على النفط إلى حد بعيد، وحينها سيسقط في أيدي الدول النفطية التي تعتمد على النفط اعتمادا كليا حيث لن تجد لبضاعتها البترولية زبائن يشترونها، ولذلك أكرر التشديد دوما على وجوب النظر إلى المستقبل بعين غير نفطية صرفة، حتى لو ظن البعض أن الاعتماد على النفط سيعمر طويلا، هذا إن أرادت الدول النفطية مثل الكويت وجاراتها، أن تستمر في البقاء على الخريطة، وألا تذوب وتختفي!
مقالات
النفط ومستقبل الطاقة!
09-09-2012