امتلأ المركب الذي نقلنا من مارينا كيب تاون بجنوب إفريقيا إلى روبن ايلاند (جزيرة روبن) بالناس من كل مكان بما في ذلك أهل جنوب إفريقيا. كنت أتساءل عن سر جاذبية تلك الجزيرة الصغيرة التي تبعد عن كيب تاون قرابة نصف الساعة، مما جعلها واحدة من أكثر نقاط الجذب السياحي، مع أنها لا تعدو أن تكون جزيرة صغيرة عادية تم استخدامها كسجن للسياسيين.
في أثناء الجولة على الجزيرة كان المرشد المعتق مسلماً يدعى محمد ياسين ويشرح لنا تفاصيل تاريخ الجزيرة بأسلوب ساخر ومتمكن من تفاصيل التاريخ، لينتهي بعد الجولة برسالة سلام لا تخفى على المستمعين. تبدل سكان الجزيرة عما سبق فلا مساجين بها بل 200 من الحرس والمرشدين. السجناء انطلقوا لحياتهم العادية بل إن عدداً منهم يقوم بوظيفة مرشد داخل السجن فيشرح لنا تفاصيل ما جرى أيام الابارثايد والفصل العنصري دون إفراط أو مبالغة. أما محمد ياسين فقد شرح لنا كيف تحوّلت الجزيرة إلى محطة سلام عندما دفع أشخاص مثل السجين الأشهر نيلسون مانديلا إلى التصالح مع الحراس البيض، فقد كان يقول لرفاقه إن هؤلاء الشباب البيض ليسوا إلا ضحايا مثلنا لذلك النظام الجائر العنصري، ولذا صار علينا أن نستوعبهم، وخلال عملية تعليمية استمرت 18 عاماً، تحولت الجزيرة إلى محطة للسلام، وخرج بعدها مانديلا من سجنه في 1990 ليقود عملية بناء مجتمع هي الأصعب في التاريخ الحديث، ليصبح أكثر أنظمة القرن العشرين عنصريةً نموذجاً لصنع السلام، ليس عن طريق العنف لكن بتأصيل ثقافة السلام. لم تنته العنصرية في جنوب إفريقيا، كما لم ينته التمييز، ومازال الفقر صامداً كالغول، ولكن من المؤكد أن طريق السلام باتت معالمه واضحة في زمن كان مجرد التفكير في ذلك مستحيلاً، فالذي أحال سجناً عنصرياً كروبن ايلاند إلى معلم سياحي يتعلم الناس منه قادر بذات القيم أن يحيل غيرها إلى ملاعب وحدائق ومسارح ودور عبادة تبث قيم السلام وتبشر بها. أما لماذا يأتي الناس من كل حدب وصوب لزيارة جزيرة عادية، فلعله يدل على أن قيم السلام والتعايش والحرية داخل النفس البشرية أقوى مما نتصور، فالناس تبحث عن نماذج للسلام في زمن يسيطر فيه المتعصبون والمتطرفون والكارهون للحياة. فكرة جالت بخاطري وأنا أتأمل الحالة البائسة التي نعيشها من حالة الاحتراب الديني والطائفي والعنصري في ذكري اليوم العالمي للسلام الذي حل علينا أمس.
أخر كلام
هل السلام واقعي؟
22-09-2012