عام 1995 قررت اليونسكو اعتبار يوم 23 أبريل من كل عام يوم الكتاب العالمي. لتحتفل شعوب العالم بالكتاب كمصدر أول للمعرفة، وكنز خيرٍ لمن شحت الدنيا بوجهه. فيوم عرف الإنسان الحرف والكلمة والكتاب، يومها فتح عينيه على حقائق العالم، وصارت له القدرة على التواصل مع الآخر، أياً كان هذا الآخر، وفي أي زمان ومكان.

Ad

يقول أبوعثمان الجاحظ: "حين تقرأ لعالِم فإنما تشاركه عقله". فالقراءة ربح بيّن من تجربة الآخرين، وهي حياة إضافية لعمر الإنسان القصير. ونظرة فاحصة على خصلة واحدة مشتركة بين مبدعي وكتّاب ومفكري العالم، تظهر أن القراءة كانت عنصراً أساسياً في حياتهم وتكوينهم الفكري والإبداعي.

تُثار بين وقت وآخر فكرة تقهقر القراءة، وتزحزح الكتاب عن مكانه العظيم ومكانته، لكن واقع الحال الإنساني يقول خلاف ذلك. فرغم ثورة المعلومات، ورغم محركات البحث على الشبكة الإلكترونية، ومواقع الإنترنت المتخصصة، إضافة إلى كل الأجهزة التقنية الحديثة، بدءاً بالتلفون النقال، مروراً بتلفونات اللمس وانتهاء بأجهزة الـ"الآي باد"، فإنه مازال الكتاب يتربع على قمة جبل المعرفة الإنسانية، ومازالت علاقة الإنسان في الكتاب علاقة خاصة لا تجاريها علاقة الإنسان بأي عنصر آخر من عناصر الحياة،

ومازال الكتاب يمثل هدية مفرحة لدى مجموعة كبيرة من بني البشر.

إن احتفال شعوب العالم بيوم الكتاب بشكل سنوي، يأتي ليسلط ضوءاً متجدداً على أهمية الكتاب، ويلقي بشيء من الضوء الساطع على قيمة الكتّاب والمفكرين والمبدعين، وكيف أنهم قادرون على البقاء عمراً أطول بكثير من أعمارهم، بسبب كتبهم وصلتهم الدائمة بالبشر حتى بعد مماتهم. فالحديث الشريف يشير بوضوح إلى انقطاع صلة الإنسان بالحياة بعد موته، وبالتالي انتفاء كسبه لأي حسنة، إلا ذاك الذي خلّف وراءه "صدقةً جارية أو علماً ينتفع به"، فالعلم النافع صدقة جارية لا تنقطع!

إننا في الكويت، ورغم وجود مجاميع قراءة تعمل بجد وإخلاص عشقا وحباً ووصلاً بالقراءة والكتاب وربما الكاتب، فإن الناظر إلى حال الكتاب و"المكتبات العامة" يرى بوضوح تقهقر مكانة الكتاب والقراءة عما كانت عليه في العقود السابقة. وهذا أمر مؤسف ومحزن، يتطلب الوقوف الجاد عنده، والتفكير بكيفية الخروج منه، خصوصا أن الكويت عُرفت على مرّ العقود بعلاقتها الرائعة مع الكتاب والقراءة، ويكفي أنها صدّرت لقراء اللغة العربية مجلة "العربي" عام 1958، قبل أن تنال استقلالها، وأتحفت المكتبة العربية بسلسلة عالم "المعرفة"، وبنت لنفسها مكانة رفيعة ومحترمة بين أقطار الوطن العربي.

لقد سبق أن توجهت، من هذه الزاوية، بدعوة كريمة إلى سمو رئيس مجلس الوزراء، بتبني فكرة "مؤتمر وطني للقراءة"، يعيد للكويت شيئاً من ألقها الثقافي، ويبث الدماء في شرايين وعي أجيالها الناشئة. مؤتمر وطني تشترك فيه وزارات ومؤسسات الدولة الرسمية والأهلية ومؤسسات المجتمع المدني، كوزارة التربية، ووزارة الإعلام، ووزارة الشؤون، وجامعة الكويت، ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي، والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ورابطة الأدباء الكويتيين، وجمعية الصحافيين والخريجين والاجتماعيين، والجمعية الثقافية النسائية، ودار الآثار الإسلامية، ومؤسسة البابطين، ودار سعاد الصباح. ومن الممكن أن تشارك فيه البنوك والمؤسسات المالية الرائدة، ويكون هذا مدعماً بحضور إعلامي وصحافي، للوقوف على أسباب المشكلة وتدارسها ووضع الحلول والتوصيات العملية لها، وتشكيل لجنة دائمة لمتابعة خطة تحقيق هذه التوصيات.

إن أمة تعطي للكتاب والكاتب حقهما هي أمة علمٍ وفكر، ومؤكد أن العكس صحيح، فكيف بمن يجافي العلم والفكر والإبداع أن يتقدم ويأخذ مكانة مرموقة بين الأمم؟