سقوط إنسان
ما حصل في انتخابات الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان مساء الاثنين الماضي من استيلاء عدائي (أو Hostile Takeover كما في مجال التجارة) على مجلس الإدارة، وإن كان مباحاً ضمن اللوائح المنظمة للجمعية العمومية، جاء مجسداً لنمط آخذ في التكرار لطريقة التعاطي مع الشؤون العامة أخيراً.لنستذكر تسلسل الأحداث بإيجاز: شخصية قيادية دون مستوى مسؤولية الموقع الذي تتبوأه في مؤسسة، تُشَن عليها حملة غوغائية لإسقاطها غاب عنها العقل والتنسيق مع أصحاب الشأن، فيختزل تاريخ المؤسسة بتلك الشخصية ويؤخذ بجريرتها كل جهود أعضائها، ثم تجرى الانتخابات ويسقط صوت العقل، وأول من يلطم هو التيار الوطني الذي إما صفق للحملة، وإما لم يحشد لصد الفوج القادم، وربما ننتهي إلى ضياع القضايا التي تتبناها تلك المؤسسة. ألا يذكركم هذا السيناريو بآخر ليس ببعيد؟
إن ترويج فكرة أن رئاسة السيد علي البغلي للجمعية في الفترة الماضية أدت إلى سقوط قائمة "إنسان" هو تسطيح لما جرى وما قد يترتب عليه. لقد كان البغلي عبئاً على الجمعية برأيي، رغم ما يقوم به من عمل جبار خلف الكواليس لخدمة القضايا الحقوقية حسب ما وردني من بعض العاملين عليها، فإن ما يطرحه من آراء وعمله الشخصي كان يضعف الانطباع العام الذي تصبو إليه الجمعية، وفي هذا المجال الانطباعات مهمة، وكان حرياً به الابتعاد أو إبعاده منذ زمن.لكن ذلك لا يبرر الطريقة التي اتبعها الكاتب محمد الوشيحي في حملته التي أدت إلى ما حصل مساء الاثنين الماضي، فلن يعدل أوضاع الجمعية اختزالها وأعمالها بشخص أحد أعضائها، ولن يعزز رسالتها الحقوقية الدفع بجمهور للتسجيل بها نكاية بأحد أعضائها وليس بالضرورة إيماناً بأهدافها وقضاياها. ولم ينفع إعلان الوشيحي تأييده لقائمة "إنسان" أخيراً، والذي ربما جاء متأخراً بعد أن تشكلت قائمة جديدة اعتمدت بالدرجة الأولى في خوضها الانتخابات على المجاميع التي سجلت عضويتها في الجمعية استجابة لحملته قبل أشهر. لست عضواً بالجمعية وليس لي ارتباط عملي بها، ولكني أراقب عملها، ولابد من تسجيل الإعجاب بتقاريرها الصريحة وجهودها الحقيقية على أرض الواقع، أبرزها فريق الرصد الذي كان العين الحريصة على ممارسة "البدون" حقهم في التعبير والتظاهر والحد من قمع السلطات لهم، ناهيك عن الجهود التي تتم خلف الكواليس وتتطلب السرية، فقد كانت الجمعية بقيادة قائمة "إنسان" هي حامل راية حقوق الإنسان الحقيقي والمصحح لانحراف لجنة حقوق الإنسان البرلمانية وجمعية المقومات الأساسية لحقوق الإنسان، وأخشى أن يؤدي ما فعله البغلي والوشيحي، ومن صفق لأي منهما إلى رِدّة على تلك الجهود، والأخطر من ذلك أن يرسخ أسلوباً للتعاطي مع الشؤون العامة، حيث تبرر الغايات الوسائل، ويغيب العقل والعمل المنظم، ويتم تجاهل الأصول والقواعد الأساسية وتطغى الشخصانية والعشوائية والعنف اللفظي، فنفقد ما تبقى من إيماننا بمؤسساتنا الدستورية والمدنية.Dessertيحق لمجلس الإدارة الجديد منحه فرصة، ولو أن طريقة وثوبه إلى القيادة كفيلة بأن تبين المكتوب من عنوانه، لكن الواجب تذكيره بأهم مهماته وهي الالتزام بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان- كل إنسان وكل الحقوق، وليس بعضها:http://www.un.org/ar/documents/udhr/