تاريخنا السياسي منذ الاستقلال تضمَّن العديد من أشكال المقاطعة سواء كانت على شكل رفض المشاركة في الانتخابات، كما هو حادث عندنا اليوم، أو استقالة جماعية من البرلمان لسبب أو لآخر، فالمقاطعة والاحتجاج السلمي وسيلتان حضاريتان في التعبير عن الرأي.

Ad

أول تهديد بالمقاطعة كان سنة 1961 أثناء مناقشة الدوائر الانتخابية (ما أشبه الليلة بالبارحة) حيث تم الاتفاق بين التيار الشعبي، بكل ألوانه، والنظام على 10 دوائر. كانت رغبة الشعبيين دائرة واحدة ورغبة السلطة 20 دائرة.

كان حلاً وسطاً، جاء عبر تفاوض مضن، كما كان نص الدستور كذلك وسطاً، إلا أن الناس فوجئوا بمرسوم أميري في 6 سبتمبر 1961 بالجريدة الرسمية ينص على 20 دائرة، مقعد واحد وصوت واحد، وكان رد الفعل الشعبي هو مقاطعة الانتخابات إذا أصر النظام على موقفه.

وحسب خالد العدساني، رحمه الله، في مقابلة خاصة معه، "إذا كان هذا أولها ينعاف تاليها" ولم يتوانَ الشيخ عبدالله السالم، رحمه الله أمير البلاد حينذاك، وهو من هو في اعتداده بنفسه وكرامته، عن سحب القانون الموقع باسمه، ليصدر قانوناً بديلاً وينشر بتوقيعه أيضاً في 7 أكتوبر 1961 والذي كان الاتفاق عليه كحل وسط 10 دوائر بمقعدين وصوتين لكل دائرة، لتنفرج الأزمة وتبدأ مسيرة بناء الدستور.

ولم يلتفت الأمير إلى ما يمكن اعتباره تقليلاً من سلطته وهيبته، وقد يقول قائل إن القوى السياسية حينذاك هي غيرها الآن، وهذا صحيح جزئياً، وقد يتصور البعض أن الأوضاع  كانت مستقرة وهادئة وأن العلاقات السياسية كانت سلسة، إلا أنها لم تكن كذلك، فمنذ فبراير 1959 كانت الأوضاع  متوترة جداً، حيث تم إغلاق الصحف والأندية وزج العديد بالسجون، على أثر مهرجان ثانوية الشويخ الشهير، وظلت تلك الأوضاع  المتشددة سائدة حتى الاستقلال.

وبالتالي جاء  التوافق في إطار حالة من التوتر الشديد، وظهر مولود جديد اسمه الدستور كان يفترض فيه أن يكون الرافعة التي تنقل المجتمع من إمارة عشائرية مطلقة إلى دولة دستورية مؤسسية، ومع ذلك لم تتوقف المقاطعة كأداة مهمة في الحياة السياسية الكويتية كما سنرى. وللحديث بقية.