من غير الممكن النظر إلى آلية الاستقرار الأوروبي بوصفها كياناً منفرداً قائماً بذاته، بل لابد من رؤيتها في سياق إجمالي مبلغ التعرض، الذي يشمل 1.4 تريليون يورو في هيئة أرصدة إنقاذ تم منحها بالفعل. ومن الضروري بشكل خاص أن نضع في الاعتبار أيضاً أموال الائتمان التي سحبتها البنوك المركزية التابعة للدول المتضررة بالأزمة بموجب تارجت 2، والتي بلغ مجموعها تريليون يورو بالفعل.

Ad

تنتظر أوروبا والعالم بفارغ الصبر القرار الذي سوف تتخذه المحكمة الدستورية في ألمانيا في الثاني عشر من سبتمبر بشأن آلية الاستقرار الأوروبي، المقترحة لكي تخلف بشكل دائم آلية الاستقرار المالي الأوروبية التي تضطلع بدور مُقرِض الطوارئ الحالي في منطقة اليورو، ويتعين على المحكمة أن تبت في زعم المدعين الألمان بأن التشريع المنشئ لآلية الاستقرار الأوروبي يخالف القانون الأساسي في ألمانيا، وإذا حكمت المحكمة للمدعين فإنها ستطالب الرئيس الألماني بعدم التوقيع على المعاهدة المنشئة لآلية الاستقرار الأوروبي، التي صدق عليها البرلمان الألماني بالفعل.

وهناك مخاوف جدية تؤرق كل الأطراف بشأن القرار المرتقب. فيخشى المستثمرون أن تعارض المحكمة آلية الاستقرار الأوروبي إلى الحد الذي قد يضطرهم إلى تحمل الخسائر الناجمة عن استثماراتهم السيئة، ويخشى دافعو الضرائب وأصحاب المعاشات في الدول الأوروبية التي لا يزال اقتصادها صلباً أن تمهد المحكمة الطريق أمام تعميم ديون منطقة اليورو اجتماعيا، وإثقال كواهلهم بالأعباء المترتبة على خسائر نفس المستثمرين.

يمثل المدعون كامل الطيف السياسي، بما في ذلك حزب اليسار، وبيتر جويلر عضو البرلمان عن حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي، ووزيرة العدل في حكومة غيرهارد شرويدر الديمقراطية الاجتماعية السابقة، هيرتا دوبلر جميلين، التي جمعت عشرات الآلاف من التوقيعات لدعم قضيتها. وهناك أيضاً مجموعة من أساتذة الاقتصاد والقانون المتقاعدين، ومجموعة أخرى من المواطنين «العاديين»، الذين اختارت المحكمة شكاواهم الفردية كأمثلة.

وقد أثار المدعون عدة اعتراضات على آلية الاستقرار الأوروبي. فزعموا أولاً أنها تشكل انتهاكاً لفقرة «عدم الإنقاذ» في معاهدة ماستريخت (المادة 125). فقد وافقت ألمانيا على التخلي عن المارك الألماني شريطة ألا تؤدي منطقة العملة الجديدة إلى التعميم المباشر أو غير المباشر لديون الدول الأعضاء، وهذا يعني بالتالي استبعاد تقديم أي مساعدة مالية من أموال الاتحاد الأوروبي للدول التي تواجه الإفلاس، والواقع أن العملة الجديدة كانت تُعَد بمنزلة وحدة حسابية للتبادل الاقتصادي وليس لها أي تأثيرات فيما يتعلق بالثروة.

ويزعم المدعون أنه في حالة اليونان، كانت مخالفة المادة 125 تتطلب تقديم الإثباتات بأن إعسارها من شأنه أن يفرض من المخاطر قدراً أعظم مما كان متوقعاً عندما تمت صياغة معاهدة ماستريخت، ورغم هذا فإن أحداً لم يقدم مثل هذه الإثباتات.

وثانيا، يُلزِم القانون الألماني ممثلي ألمانيا في مجلس إدارة آلية الاستقرار الأوروبي في حالة العمل بها بعدم التصويت إلا بعد الرجوع إلى البرلمان الألماني لاتخاذ القرار، ووفقاً للمدعين فإن هذا غير مسموح به بموجب القانون الدولي، ولو كانت ألمانيا راغبة في تقييد سلطة حاكمها بهذه الطريقة فكان من الواجب عليها أن تبلغ الدول الأخرى الموقعة قبل أن تفعل ذلك.

ومن ناحية أخرى، أقسم ممثلو ألمانيا في مجلس المحافظين على السرية، الأمر الذي يحول دون مساءلة البرلمان الألماني، على حد تعبير المدعين.

ويزعم المدعون فضلاً عن ذلك أنه برغم أن معاهدة آلية الاستقرار الأوروبي مقيدة في منح الموارد للدول الفردية، الأمر الذي يتطلب أغلبية مؤهلة، فإنها لا تحدد الشروط التي تصبح الخسارة بموجبها مقبولة، وقد تنجم الخسائر عن الإسراف في الأجور التي يدفعها أعضاء مجلس محافظي آلية الاستقرار الأوروبي لأنفسهم، أو عن شُح الجهود المبذولة لتحصيل الديون من الدول المتلقية للائتمان، أو عن أشكال أخرى من سوء الإدارة. ولأن مجلس المحافظين وأعضاء المجلس التنفيذي يتمتعون بالحصانة من الملاحقة الجنائية، فإن معاقبة سوء السلوك ليست بالأمر الوارد.

إذا نشأت الخسائر فلابد من تغطيتها بالاستعانة بالمساهمات النقدية الأولية بقيمة 80 مليار يورو (100 مليار دولار)، والتي سوف تزيد عليها تلقائياً كل الدول المشاركة تبعاً لحصصها في رأس المال. وإذا لم تعد الدول الفردية قادرة على سداد المساهمات اللازمة، فيتعين على دول أخرى أن تقوم بهذا بالنيابة عنها. ومن حيث المبدأ، قد تضطر دولة واحدة إلى تحمل عبء الخسائر بالكامل، ويؤكد المدعون أن مثل هذه المسؤولية المشتركة والمتعددة تتناقض مع التصريحات السابقة للمحكمة بأن ألمانيا لا ينبغي لها قبول أي التزامات مالية ناجمة عن سلوك دول أخرى.

والأسوأ من هذا وفقاً للمدعين أن هذا القيد لا ينطبق على الدول الموقعة الأخرى، رغم أن مسؤولية أي دولة تجاه الشركاء الخارجيين محدودة بحصة تلك الدولة في رأس المال، ومن الممكن من الناحية النظرية أن تتحمل دولة ما المسؤولية منفردة عن تعرض آلية الاستقرار الأوروبي لمجمل 700 مليار يورو.

وأخيرا، من غير الممكن النظر إلى آلية الاستقرار الأوروبي بوصفها كياناً منفرداً قائماً بذاته، بل لابد من رؤيتها في سياق إجمالي مبلغ التعرض، الذي يشمل 1.4 تريليون يورو في هيئة أرصدة إنقاذ تم منحها بالفعل. ومن الضروري بشكل خاص أن نضع في الاعتبار أيضاً أموال الائتمان التي سحبتها البنوك المركزية التابعة للدول المتضررة بالأزمة بموجب تارجت 2، والتي بلغ مجموعها تريليون يورو بالفعل.

لا أحد يدري كيف قد تحكم المحكمة الدستورية على هذه الاعتراضات، ويعتقد أغلب المراقبين أن المحكمة من غير المرجح أن تعارض معاهدة آلية الاستقرار الأوروبي، رغم أن العديد منهم يتوقعون أن يطالب القضاة بإدخال تعديلات محددة، أو أن يطالبوا الرئيس الألماني بجعل توقيعه مشروطاً بتحقيق شروط معينة.

الواقع أنه لأمر طيب أن يكون التكهن بقرارات المحكمة أمر بالغ الصعوبة، بل الأفضل من هذا أنه من غير الممكن الضغط على المحكمة أو حتى مناشدتها، ومن غير الممكن أن يقوم الاتحاد الأوروبي إلا على سيادة القانون، وإذا كان بوسع القائمين على السلطة أن يكسروا نظامه فإن الاتحاد الأوروبي لن يتمكن أبداً من التطور إلى البناء المستقر الذي يشكل ضرورة أساسية لتحقيق السلام والازدهار.

* هانز فيرنر سن | Hans-Werner Sinn ، أستاذ الاقتصاد والتمويل العام بجامعة ميونيخ، ورئيس معهد البحوث الاقتصادية (Ifo).

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»