لست ممن يجيدون كتابة الرثاء، وأشعر بضعف الكلمة وارتباك القلم، ورغم إيماني أن الموت حق، وأن "كل نفس ذائقة الموت"، فإنني لا أميل إلى المراثي، وكلما كان المصاب جللاً زاد ضعفي وضاعت عباراتي.

Ad

ليس سهلاً فقدان زميل وأخ وصديق، لكنه أمر الله وقضاؤه وقدره الذي لا نملك إلا التسليم به، إذ كان خبر وفاة المرحوم بإذن الله رضا الفخراني صدمة، ولم أتوقع أن تنتهي حياته بهذه السرعة.

لم يمهل المرض الفخراني طويلاً، فقد تدهورت حالته الصحية بشكل سريع وعلى نحو مفاجئ، ومنذ أن عاد من رحلته العلاجية الأولى التي أجرى فيها عملية جراحية، بدا أكبر سناً وأكثر ضعفاً وأقل ابتساماً، وهو الذي لم تفارق الابتسامة وجهه حتى في لحظات الشدة والتعب.

لم تدم طويلاً فترة بقائه في الكويت، فالمرض أنهكه وأخذ من صحته وعافيته، وكان دائم الشكوى من آلامه، فما لبث أن عاد سريعاً إلى مصر ليستكمل علاجه إلا أن الموت عاجله ليأخذ الله أمانته، وترد الروح إلى خالقها، وترجع النفس المطمئنة إلى ربها راضية مرضية.

رحل الفخراني من دون أن نودعه، تاركاً خلفه إرثا جميلاً وعلاقات طيبة وبصمات في عمله، ومكان الفخراني سيظل شاغراً، فهو لم يكن مهنياً يجيد عمله ويعشق مهنته ويعرف كيف يتعامل مع الحرف، ويحسن تشكيل الكلمات، ويبرع في إعادة صياغة العبارات والجمل فحسب، إنما كان إنساناً راقياً مهذبا خلوقا ناصحا أمينا، وفوق ذلك كان مبتسما بشوشا ضاحكاً لا يعرف الحقد ولا الزعل.

عندما يصعد الفخراني إلى صالة التحرير لا يترك أحداً من دون أن "يتحرش" به من موظف الأمن "مصطفى" إلى رؤساء الأقسام مروراً بالمحررين، وصولاً إلى العاملين في خدمة الشاي والقهوة، يضحك مع هذا ويتجادل مع ذلك، مطلقا كلامته وآراءه بكل اتجاه، مستمراً في "مشاغبة" الجميع إلى أن ينزل إلى مكتبه بعد أن يشيع البهجة ويرسم الابتسامة على وجوه زملائه.

كان الفخراني رجلاً استثنائياً في تعامله مع الآخرين، يضحك ويمازح الجميع، ويفرض عليك احترامه، وفوق ذلك كان يعشق التحدي، حتى مرضه تحداه ولم يعترف به وحاول مقاومته إلا أن الأجل مكتوب: "اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ". (42) سورة الزمر.

رحمك الله أبا يوسف وأسكنك فسيح جناته.