كان يا مكان في... كويت

نشر في 05-05-2012
آخر تحديث 05-05-2012 | 00:01
No Image Caption
 علي عبدالعزيز أشكناني   رفع الطفل الغطاء عن رأسه ليستمع إلى قصة ما قبل النوم التي اعتاد سماعها من جده كل ليلة، لكن هذه الليلة أراد الطفل أن يستمع إلى شيء غريب قصة أقرب إلى الخيال رغم أنها واقعية، فقال: "جدي، احكِ لي عن أغرب ما رأيته أو عاشرته في هذه الدنيا"، فكر الجد ملياً قبل أن يتنهد ويقول حسناً:

"كان يا مكان في بعيد الزمان بلد يا بني مَن الله عليه بذهب أسود كان أغلى وأهم من الذهب العادي، وكان أبناء البلد محدودين كي ينعموا بكثير خيراته، وقام هؤلاء الأبناء بتعاضدهم وبعد نظرهم مع حاكمهم بعمل بلد ديمقراطي يحق للصغير والكبير أن يتحدثا بما يريدان، بلد أصبح فردوساً بين صحراء واسعة مملوءة بالانقلابات، كان جنة دينها الإنسانية فليس المهم كيفية العبادة بقدر ما هو مهم كيف تعامل العباد، وليس المهم ما جنسك وأصلك مادمت تقدر الإنسانية، لكن بدأت محاولات الانقلاب على صمام أمانها الذي جعلهم سواسية، وبدأ المتنفذون بالبلد يحنون إلى أيام السادة والعبيد، وشعر البعض أنه أحق بالذهب الأسود وثروته من غيره، فبدأ التناحر بينهم وانتهى عهد السعادة والحرية في هذا البلد الصغير حتى طمع بهم جارهم، واحتل هذا البلد الذي عاد مرة أخرى لما كان عليه من تعاضد وتكاتف واستطاع دحر عدوه".

"وهل انتهت القصة يا جدي؟"، سأل الطفل الصغير، أجابه الجد: "لا يا بني، هذه القصة لم تنته نهاية سعيدة كبقية قصص الأطفال، فأثناء الوقت الذي تكاتف فيه شعب هذا البلد، سرق ذهبهم الأسود بعض الأشخاص، أحدهم أصبح شخصية مشهورة واشترى الكثير من المؤسسات لتلميع صورته وزوّر بالتاريخ وجعل نفسه بطلاً للمقاومة، وبدأ الشعب مرة أخرى يتفرق، وأصبح ينتخب العنصريين من أصحاب اللحى والأيادي الطويلة، فبدأت المعاملة على أساس الدين والمذهب، وبدأوا يشرعون قوانين غريبة مثل منع الاختلاط، واللباس المناسب، والحشمة، وبدأت مؤسسات الدولة يملأُها الفساد والرِّشا، وكان في ذلك الوقت فضيحة كبيرة لشبهات غسل أموال ورشا لممثلي الأمة، وصلت على أثرها أغلبية ديكتاتورية تستغل دستور البلد، وعلى الرغم من امتلاك البلد لعشر الذهب الأسود في العالم لم يستطع أن يدير الأمور بين مليون مواطن فقط، وبعد ذلك بسنوات ظهر معدن ثمين جديد ولم يعد أحد يشتري الذهب الأسود، وقامت حرب أهلية طائفية ومناطقية بين أبناء البلد فاقتتلوا حتى لم يبق إلا القليل ممن هاجر إلى بلادنا هذه أو أحد البلاد الأوروبية... وأصبحت الأرض قاعدة عسكرية لإحدى الدول العظمى".

قال الطفل وهو يتثاءب: "جدي لم أفهم القصة جيداً، أعدها من فضلك"... تنهد الجد مرة أخرى وقال "كان يا ما كان في... كويت...".

back to top