مقاطعة الانتخابات والتوافق المرحلي
من الملاحظ أن فئة الشباب تشكل النسبة الغالبة في الحراك الشعبي الحالي المطالب بالتمسك بالدستور والإصلاح السياسي والديمقراطي، وهو ما يبين أن جيل الشباب قد تشبع من الحديث النظري المكرور والممل حول احترام الدستور والمؤسسات الدستورية وسيادة القانون وتكافؤ الفرص والعدالة والمساواة بينما يرى عكس ذلك على أرض الواقع.
الاصطفاف السياسي والشعبي الحالي المعارض لانفراد الحكومة بتعديل قانون انتخابات مجلس الأمة (آلية التصويت)، والداعي إلى مقاطعة الانتخابات القادمة ترشحاً وتصويتاً هو اصطفاف سياسي وشعبي واسع وغير مسبوق في تاريخ الكويت، سواء من ناحية طبيعة التنظيمات السياسية والشبابية والقوى الاجتماعية المشاركة فيه، التي تشمل مكونات المجتمع كافة، أو من ناحية حجمه وسرعة تشكله وقدرة القوى المشاركة فيه على التحرك الميداني والحشد الجماهيري، وهو ما ينبئ بنجاح المرحلة الأخيرة من مقاطعة الانتخابات، وهي مرحلة التصويت في الأول من ديسمبر، ما أجبر المرشحين ودعاة المشاركة في الانتخابات إلى الترويج لفكرة "الورقة البيضاء" أملاً منهم في رفع نسبة المشاركة، حيث إن أي ورقة توضع في صندوق الاقتراع تحسب ضمن نسبة المشاركة في الانتخابات سواء كان التصويت سليماً أم باطلاً.وفي السياق ذاته، فإنه من الملاحظ أن فئة الشباب تشكل النسبة الغالبة في الحراك الشعبي الحالي المطالب بالتمسك بالدستور والإصلاح السياسي والديمقراطي، وهو ما يبين أن جيل الشباب قد تشبع من الحديث النظري المكرور والممل حول احترام الدستور والمؤسسات الدستورية وسيادة القانون وتكافؤ الفرص والعدالة والمساواة، بينما يرى عكس ذلك على أرض الواقع، لهذا فإن جيل الشباب لن يرضيه سوى البدء بتنفيذ مشروع الإصلاح السياسي والديمقراطي بخطوات عملية ملموسة بعد أن سئم الكلام النظري المرسل الذي يتناقض مع الواقع الفعلي.
وبالطبع فإن الاصطفاف السياسي المرحلي أو التوافق العام حول قضية محددة أو مطلب معين بين قوى وتيارات وتكتلات بينها اختلافات فكرية وسياسية لا يعني بأي حال من الأحوال انتهاء الاختلافات الفكرية والسياسية، أو عدم وجود تباين في وجهات النظر حول تفاصيل إدارة المرحلة، بل كل ما في الأمر أن الخلافات الفكرية والسياسية مؤجلة لما بعد تحقيق الهدف الذي دعاها إلى التوحد لأن الانشغال في القضايا الفرعية والتفصيلية في هذه المرحلة يشتت الجهود، ويكون على حساب تحقيق المطالب أو الأهداف المتوافق عليها، وخير مثال هنا ما يحصل في أوروبا حالياً، حيث توحدت قوى سياسية مختلفة ونقابات عمالية ومنظمات مجتمع مدني ضد سياسات صندوق النقد الدولي أو ما يسمى "سياسة التقشف الاقتصادي".من هذا المنطلق، فإن التوقف كثيراً وتكرار الحديث التفصيلي الممل في هذه المرحلة السياسية الحرجة التي يمر بها بلدنا عن القضايا الخلافية بين الكتل البرلمانية أو القوى السياسية في مراحل تاريخية سابقة لا يخدم إطلاقاً الحراك الشعبي الحالي، بل إنه يضعفه ويصب في نهاية المطاف في مصلحة منظومة الفساد السياسي التي يهمها تفكك الاصطفاف السياسي والشعبي المطالب بحزمة إصلاحات سياسية جذرية وشاملة، والذي يعارض حالياً انفراد الحكومة بالقرار ويدعو إلى مقاطعة الانتخابات ترشحاً وتصويتاً.