لكي يكون الدستور أكثر ديمقراطية فمن الطبيعي أن ترجح الكفة لمصلحة الشعب، وأن تتقلص السلطات التي تحد من سلطة الشعب، وأن تزول كل القوانين المعوقة للحريات العامة، وأن يسود العدل ويكون القانون وحده هو الذي يحكم العلاقة بين الناس والحكومة، ولكي يكون الدستور أكثر ديمقراطية يجب التأكيد على مدنية الدولة، ويمنع أي قيد على النصوص الدستورية وعلى قوانين الدولة التي تؤثر في مدنيتها أو تتعارض مع المبادئ الأساسية للدستور.

Ad

إن سلطة الأغلبية لا تعني السيطرة على الأقلية أو حرمانها من حقوقها السياسية والمدنية، إن سيطرة الأغلبية، أيا كانت ما دامت قد جاءت عن طريق الانتخاب الحر يجب أن تكون هي الضمان لحقوق الأغلبية، وتعمل على صيانتها وحمايتها حتى لا يحس مواطن أن الديمقراطية قد هزمته، وأن الأغلبية حرمته مما أعطاه الدستور. إن مدنية الدولة تعني العبادة لله وحده يمارسها الفرد عن قناعة دون تدخل من أي طرف، وبذلك لا تتدخل السياسة والساسة في علاقة المرء بربه، مدنية الدولة تعني أن يكون لكل فرد حقه في ممارسة حياته الخاصة دون تدخل من أي فرد أو جهة رسمية أو غير رسمية. تعديل الدستور إلى ديمقراطية أفضل لا بد أن يؤكد قيم الكفاءة والنزاهة والمنافسة الشريفة، فلا تكون ديمقراطية حين تعمل الأغلبية على تقريب المقربين وإبعاد المنافسين، يجب أن تكون الكفاءة هي معيار الاختيار للمناصب والوظائف والتكليف للمهام العامة والخاصة. وقد بين المرحوم الدكتور عثمان عبدالملك مثالب الممارسات الديمقراطية في الكويت، وبين عدم التوازن بين السلطات التنفيذية التشريعية والقضائية وأن السلطة الحقيقية هي بيد الحكومة أكثر منها لدى مجلس الأمة.

ولذلك أرى أن الدعوات لتطوير الدستور لا بد منها بعد أن عملنا بنفس الدستور أكثر من نصف قرن، لكن كما بدأنا في التفاهم على وضع الدستور الحالي فعلينا التفاهم على التعديل، ولا داعي لكل هذا الانفعال الذي قد يدخلنا في مزالق لا تحمد عقباها.

كل ما أخشاه، وأعتقد أن كثيرين يشاطرونني الرأي، أن يتغلب علينا الغضب أو رد الفعل فنخرج عن طريق الصواب، خاصة أن البعض يرى أن الوضع العربي يمكنه الضغط للحصول على كل شيء. إن ما نسمعه الآن لا يبشر بتعديل ديمقراطي أفضل، فالأغلبية الحالية تتحكم بها عصبيات وموروثات وأوضاع خارجية تعتقد أنها تؤهلها للسيطرة وأخذ كل شيء.

أتمنى لمن ينادي بالتغيير بالقوة أن يلتفت إلى ما حدث ويحدث في دول الربيع العربي، إنهم يحتاجون إلى سنين لإعادة بناء ما تهدم ودهور لكي ينسوا من قتل في هذه الثورات، نحن بغض النظر عن بسالة بعض المطالبين بالتغيير لا نريد لبلدنا دمارا ولا نريد فتنة تأكل الأخضر واليابس، نريد أن نصل إلى التعديل الذي نريده بالحكمة والتفاوض والضغط الشعبي السلمي إن احتاج الأمر.

هناك خطوات قد تكون بطيئة لكنها قد توصلنا إلى النظام الديمقراطي الحر للدولة المدنية الديمقراطية بالحكمة والروية:

أولا: يمكن لمجلس الأمة تعديل قانون توارث الإمارة، هذا القانون يمكن أن يكون مدخلا لتنظيم بيت الحكم الذي جرّت خلافاته كثيرا من المشاكل، وقد كتبت في هذا قبل خمس سنوات عندما دخلنا في دوامة الحكم لمرض ولي العهد السابق.

ثانيا: تنقيح كل القوانين غير الدستورية وهي كثيرة وتعديلها بما يحقق العدالة والديمقراطية والحرية.

ثالثا: الدخول مع الحكومة في حوار حول مواد الدستور المطورة والوصول إلى اتفاق حولها، أو الاتفاق على تشكيل لجنة شعبية ورسمية لإعادة النظر في مواد الدستور وعرض الدستور المعدل على استفتاء عام بشرط أن تكون كل التعديلات لمزيد من الديمقراطية وزيادة سلطة الشعب.

رابعا: لا بد من التوصل إلى صيغة لإدارة الانتخابات تضمن نزاهتها وحيادها والحصول على برلمان يمثل الشعب تمثيلا عادلاً.

أعتقد أننا في حاجة لبدء حوار جاد بعيد عن التشنج والمغالاة لكي نصل بكويتنا إلى بر الأمان.