عندما تدار دولة بالظنون والاتهامات التي لا تستند إلى أدلة، تصبح خسارتها لأكثر من ملياري دولار في صفقة واحدة أمراً مألوفاً، وحسرة أبنائها على وطنهم، كما تعبر تُحفة مشعل العروج أغنية "ملينا سياسة"، قنبلة الموسم التي تدمي قلوب الأغلبية الصامتة، بينما يزهو المتسبب في خسارات وطنه المتتالية بكرسيه، ولا يستحي المتسبب في خسارة الداو من الاستمرار في غيه واصطناع المبررات لما فعله، ورمي جريرة خطيئته على الآخرين دون أن يرف له جفن أو يؤنبه ضميره.
ما حدث لمشروع الداو كيميكال، وما نتج عنه من غرامة باهظة على الكويت نتيجة نجاح أبطال "الميكروفونات" في إلغائه نهاية عام 2008، هو نتيجة تدهور وضعف مؤسسات الدولة وانتهازية سياسييها، فكلهم شركاء في الجرم، من جعل منهم كل مصالح البلد أداة في تنافسه السياسي المرضي من أجل الموقع والمنصب وحساباته الانتخابية، ومن ينتقم من مؤسسات الدولة لثارات شخصية وعقد نفسية ومصالح ذاتية، ويتساوى معهم كذلك من استجاب للتهديد للحفاظ على كرسيه، وألغى الصفقة دون أن يقوم بمراجعة شاملة وحسابات دقيقة لمصلحة الكويت نتيجة لقراره، والغريب أن جميع من كان له صلة بإلغاء هذه الصفقة كان موجوداً في ساحة الإرادة لاحقاً ليتسبب في ما نعيشه اليوم من ترد في الحياة السياسية يكاد يشل البلد ويجره إلى الفوضى الشاملة.نعم البلد يعاني حالات الفساد، وليس بعيداً عنا أمثلة محطة مشرف واستاد جابر ومناقصات الرصف وإعادة الرصف المتكررة في نفس الموقع لعدة مرات، لكن لا يجوز أخلاقياً أن تستخدم هذه الوقائع في النزاع السياسي الانتهازي على حساب مصلحة البلد وتنميته وتحقيق مصالح أبنائه، فالكويت دولة قانون ومن لديه معلومة أو دليل على فساد في مشروع أو شبهة تنفع أو عمولات فليتوجه إلى القضاء، لأن توالي اتهامات "الميكروفونات" المحمية بالحصانة النيابية ستوقع مزيداً من الكوارث على البلد وستحطم مستقبله، كما أن بدعة المساءلة السياسية بمعزل عن دليل مادي ملموس ستقوض العمل البرلماني، وتمنع الحكومة من اتخاذ أي قرار خشية مساءلتها وإسقاط بعض أعضائها أو إسقاطها كلها عبر عدم التعاون مع رئيسها.الدرس الجديد الذي يجب أن نتعلمه من تلك الممارسات السياسية الشاذة في السنوات الأخيرة، وتحديداً من خسارة الداو كيميكال وقضية التحويلات الخارجية أن إدارة الدولة عبر الظنون، التي تنتج عن اتهامات مرسلة، أمر يجب أن يتوقف، وكذلك المساءلة السياسية عن أحداث لم تجرم قضائياً أصبحت ممجوجة ومدمرة، فمن كان يتهم صفقة الداو بالعمولات كان عليه أن يقدم أدلته ومستنداته للقضاء، وعندما تثبت صحتها تنعقد له صلاحية "المساءلة السياسية"، بعد أن أصبح المصطلح الأخير أداة للانتقام من الوزراء والمناكفة والمساومة السياسية للحكومة، وفي المقابل فإن السلطة مطالبة بأن تعيد الثقة للمواطنين، لتسحب من الانتهازيين السياسيين الأوراق التي يلعبون بها لتجييش المواطنين في معارضة سلبية وغير بناءة، فمن غير المفهوم أن تبقي السلطة قيادياً أكثر من ثلاثين عاماً في موقعه رغم كل الشبهات التي تحيط به، وإصرارها على حماية وجوه أخرى مشبوهة وجعلها تتصدر الصفوف الأمامية؟!
أخر كلام
إدارة الدولة بالظنون... وخسارة الداو
31-05-2012