«يوم الامتحان يُكرم المرء أو يُهان» عبارة قديمة مأثورة رآها البعض صالحة لوصف حال الساحة الدرامية أخيراً، من صدام بين «النجوم الكبار» و{جيل الشباب»، بعد إجراء تعديل عليها لتصبح «في رمضان يُكرم المرء أو يُهان»؛ فالمواجهة محتدمة فعلاً، بعدما حسم جيل الشباب أمره ونفض عن كاهله مشاعر الخوف والتردد والسلبية، وقرر أن يخوض معركة «تكسير العظام» حتى اليوم الأخير من السباق الرمضاني.

Ad

إنها الحرب إذاً، كما قالها أحمد مظهر على لسان صلاح الدين الأيوبي في فيلم «الناصر صلاح الدين» للمخرج يوسف شاهين، لكنها الحرب التي لم تُفرض على أحد، بل اختار الجميع توقيتها بملء إرادتهم، وفي حين دخلها «الكبار» متسلحين بالخبرة، وتراكم تجاربهم الدرامية التلفزيونية، راهن «الشباب» على شعبيتهم التي اتسعت رقعتها بفضل أفلامهم السينمائية.

نتحدث هنا عن أحمد السقا في «خطوط حمراء»، محمد سعد في «شمس الأنصاري»، كريم عبد العزيز في «الهروب»، عمرو سعد في «خرم إبرة»، آسر ياسين في «البلطجي»، خالد النبوي في «ابن موت»، يوسف الشريف في «زي الورد» و{رقم مجهول» ومصطفى شعبان في «الزوجة الرابعة»... كما نرى فالكم الكبير من الأعمال التي وجدت لنفسها مكاناً على الخارطة الدرامية الرمضانية يمكن أن يكون سبباً في إعادة رسم خارطة الدراما، فترتفع أسهم جيل الشباب في بورصة الدراما التلفزيونية أو يُجهض أحلامهم فلا تقوم لهم قائمة في المستقبل القريب.

الأمر المؤكد أن تجربة أحمد السقا في «خطوط حمراء» لم ترو ظمأ جمهور الشاشة الصغيرة الذي انتظره 13 عاماً، ولم تُضف جديداً لأن المتابع لأحداث العمل لا يكاد يُفرق بين «السقا» على الشاشة الكبيرة، وقرينه على الشاشة الصغيرة، وكأنه أصبح «رهين المحبسين»: «الأكشن» وشخصية ضابط الشرطة؛ فإذا كانت لياقته البدنية تؤهله لأداء مشاهد الحركة فإنه، في المقابل، سجن طموحه وقيد حركته بإدمانه تجسيد شخصية «الضابط» حتى تخال أنه لم يعد يُجيد غيرها.

محمد سعد بدوره خذل الملايين التي أحبته، وآمنت بأن لديه الكثير الذي يقدمه بعيداً عن شخصية «اللمبي» التي أدمنها، لكن خوفه من «التغيير» وافتقاده روح المغامرة كانا سبباً رئيساً في تعثر تجربته في مسلسل «شمس الأنصاري»؛ ففي الوقت الذي تصورنا فيه أن عودته بعد سبع سنوات تتيح له فرصة ثمينة للخلاص من «الكابوس» الذي جثم على أنفاسه وأنفاسنا، واستبشرنا خيراً بشخصية «شمس الأنصاري»، على رغم يقيننا بأنها تنويعة من «أدهم الشرقاوي» و{روبن هود»، وتعشمنا ألا يفوَت الفرصة، بل سيعمل جاهداً على أن يكشف أصالة موهبته وحقيقة قدراته وإمكاناته، فوجئنا به يقلب التوقعات رأساً على عقب، ويُقحم على أحداث «شمس الأنصاري» شخصية «صالح بك» الأقرب إلى «اللمبي» في سذاجته وبلاهته والطريقة العجيبة التي يحرك بها ملامح وجهه والصوت المستعار الذي ينطق به كلماته، وكأن خوفه من «التغيير» أصابه بمرض عضال أصبح عصياً على الشفاء.

كريم عبد العزيز في «الهروب» كان في حاجة إلى أن ينأى بنفسه قليلاً بعيداً عن الكاتب والسيناريست بلال فضل، ويبدأ مرحلة جديدة من التعامل مع كتاب جدد وأفكار مختلفة، بعدما رأى كثر في تجربته التلفزيونية تنويعة على التجارب السينمائية التي قدمها مع بلال فضل في «واحد من الناس»، «خارج على القانون»، «في محطة مصر» و{أبو علي»؛ إذ بدا على رغم اجتهاده الملحوظ وكأنه يستنسخ شخصياته وموضوعاته السابقة، وبدلاً من أن يحتفي الناس بعودته إلى الدراما التلفزيونية بعد 14 عاماً من الغياب (آخر عمل «امرأة في زمن الحب» عام 1998) انشغل الجميع بعقد مقارنة بين مسلسل «الهروب» وأفلامه: «واحد من الناس» و{خارج عن القانون» و{أبو علي»... عمرو سعد أيضاً لم يُرض طموحات الجمهور، الذي انتظر منه أن يكرر نجاح تجربته التلفزيونية في «شارع عبد العزيز» لكن «خرم إبرة» خذله، وخيب أمل محبيه، وأكبر الظن أنه سيخصم من رصيده تماماً مثل مصطفى شعبان الذي يكاد يكون خسر كل رصيده، لدى النقاد على الأقل، بسقطته المدوية في «الزوجة الرابعة»، التي ستؤثر سلباً على تواجده السينمائي وربما تتسبب في «تحديد إقامته» على الشاشة الصغيرة لأجل غير مسمى، لعى عكس آسر ياسين ويوسف الشريف اللذان ارتفعت أسهمهما كثيراً، بعد تجربة الأول في «البلطجي» والثاني في «رقم مجهول»؛ فالجرأة والرغبة في التمرد على السائد والمألوف كانا سبباً في انحياز الجمهور لهما، وفي حين جدد الناس الثقة في آسر ياسين كممثل موهوب قادر على التلون من شاب متلعثم في «رسائل البحر» إلى صاحب القلب الميت في {البلطجي»، أعاد الجمهور اكتشاف يوسف الشريف في «رقم مجهول»، وأصبح على يقين أنه يملك طاقة كبيرة لم تتفجر بعد.

الخلاصة أن السباق الرمضاني أثبت أن جيل الشباب خسر جولة، لكنه لم يخسر «الحرب».