يسرقون أعمارنا...

Ad

أولئك الذين نحبّهم يسرقون أعمارنا، يتسلّلون إلى خزائنها ويأخذون ما يشاءون من جواهرها.

بعضهم لا يكتفي بذلك، بل يعيث فساداً يبدو لنا أنه مقصود في بقية غرف العمر، إذ يفتح خزنة الملابس ويلقي بكل ما فيها على الأرض ويتركها كذلك في حالة من الفوضى، يدخل غرف النوم ويمزق الستائر ومفارش السرير، يكسر زجاج النوافذ، وقوارير العطر الساكنة على "التسريحة"، وبراويز الصور الموضوعة على الرفوف، ويكمل جولته في باقي المكان ليسرق اللوحات الثمينة المعلّقة على جدران العمر، ولا يوفّر السجاد، ويدوس بحذائه المتسخ بالوحل على الأرض، ويخلع الثريات من السقف، فهو لا يغادر العمر إلا وقد أحاله إلى دمار.

البعض الآخر يبدو محترماً ومهذباً أكثر، فهو لا يسرق سوى المجوهرات الثمينة، علاوة على أنه يحرص على أن يترك لنا العمر حين يغادر خالياً من أي أثر للدمار الظاهر للعيان... فلا يخلع باباً ولا يغيّر مكان أنية للزهور... ولا يمسّ شيئا غير ما أتى إليه.

يبقى البعض الأخير وهم أولئك الذين يتركون أشياء أخرى بدلا من المجوهرات التي يسرقون، كأن يتركوا بطاقة شكرٍ وامتنان ووردة وتوقيعهم الشخصي للذكرى أو أن يتركوا كومة من الجمر الذي لا ينطفئ.

ولكن في النهاية يشترك الذين نحبهم جميعاً بأنهم يسرقون أعمارنا ويتركوننا أحيانا بلا عمر أو ببعض عمر لا يسمن ولا يغني من جوع.

إلا أن هذه السرقة تتم غالبا في وَضح النهار، وغالباً نحن الذين نساعد أولئك اللصوص على سرقة أعمارنا إما بالتحريض على السرقة أو بالتغافل عنها، فنحن أحياناً عندما نحس بوجودهم نتظاهر بأننا نائمون حدّ الموت، في الوقت الذي نغمض فيه عيناً ونفتح الأخرى لنتأكد من أنهم وجدوا ما يبحثون عنه، ونفرح بذلك حين يفعلون، بل ونتمنى سرّا أن لو كان بإمكاننا مكافأتهم!

نحن الذين نعين أولئك اللصوص على ما يبتغون،

نحن الذين كنا نرقب العمر انتظاراً لوصولهم، ونحن الذين تركنا الأبواب عمداً مواربة حتى يتمكنوا من الدخول بسلاسة وبدون أدنى عناء، ونحن الذين وضعنا أسهماً "بالنيون" كتبنا عليها: "الطريق إلى الخزنة" لترشدهم حتى لا يضلوا الطريق، كما وضعنا أنواراً على الأرض حتى لا تصطدم أقدامهم بأي شيء خلال تسللهم، ليس خوفا من أن يكسروه، بل خوفاً على أقدامهم! كل ذلك فعلناه قصداً لكي يسرقونا،

ولكن... هل الذين أحببناهم ومضوا هم فعلاً لصوص أعمارنا؟!

الذين أحببناهم أخذنا نحن من أعمارهم بقدر ما أخذوا، وبنفس عدد الأيام أو السنوات التي قضيناها معهم، وإذا قال أحدنا: ولكنهم أخذوا خلالها أكثر مما أعطوا، أقول ربما... ولكنه الثمن الذي لابد من دفعه ليس لشراء الزمن طويلاً كان أم قصيرا، ولكن نظير ما كنا نحسّه ونشعر به من أحاسيس  تروي ظمأنا للحب، من قال إن الحب مجاني وبلا ثمن؟! ألسنا نقول إن الحب غالٍ، فهل هناك أغلى من العمر يستحق أن يكون ثمناً له؟!