مع كل فيلم جديد للشقيقين أحمد ومحمد «السبكي»، لا يدري أحد إذا كانا التحقا بمجال الإنتاج السينمائي ليضخا دماء شابة في شرايين صناعة السينما المصرية أم أنهما يستخدما المخرجين الشبان كواجهة ليشبعا رغبتهما في «الإخراج من الباطن»؟

Ad

لا يستطيع أحد أن ينكر، مهما كانت تحفظاته على نوعية إنتاج «الشقيقين»، الدور الكبير الذي قاما به للحفاظ على دوران عجلة صناعة السينما، في ظل ظروف اقتصادية وسياسية صعبة، وانسحاب عدد غير قليل من «أباطرة الإنتاج» خشية المغامرة أو انتظار ما ستسفر عنه الأوضاع الراهنة ليعودا، ويحصدا مجدداً أموال السينما المصرية التي ينظرون إليها، بوصفها «بقرة حلوب»!

في المقابل، لا بد من النظر بشك وريبة إلى التنويهات التي تؤكد أن الشقيقين هما «صاحبا اليد الطولى» في الأفلام التي ينتجانها؛ فالحاج أحمد السبكي هو الذي يوجه لطفي لبيب ومحمود الليثي في فيلم «شارع الهرم»، والأخ محمد السبكي يطلب من يسرا أن تترك له نفسها في فيلم «جيم أوفر»، بحجة أنه يصنع فيلماً واقعياً، بينما لا يظهر «المخرج» مطلقاً في «الكادر» !

بهذا المنطق ظهر المخرج إسماعيل فاروق في فيلم «حصل خير»، بلا حول ولا قوة، وكأنه يحمد الله، على أنه ما زال «على قيد الحياة السينمائية»، وحاول يائساً أن يُعلن عن نفسه، لكنه بدا محاصراً بين «مطرقة» المنتج أحمد السبكي، و{سندان» سيناريست الفيلم سيد السبكي، ولم يملك سوى أن استسلم، وقدم «التوليفة» التقليدية التي اعتدناها في أفلام «السبكية»؛ حيث «الراقصة اللعوب» و{المطرب الشعبي» و{بطانة السوء». وهي المعادلة نفسها التي اعتمد عليها فيلم «حصل خير»، باستثناء الإطاحة بالراقصة «دينا» والاستعانة باللبنانية «قمر»!

في فيلم «حصل خير»، يجسد لطفي لبيب، الذي أشفق عليه وهو يهدر موهبته، شخصية «أبو الوفا» صاحب شركة المقاولات الذي يعيش {مراهقة متأخرة»، ويتخذ من العمارة التي يملكها وسيلة لاصطياد الحسناوات، ومن بينهن «قمر» التي تهبط على المكان مع شقيقتها، الطفلة جنا. وبشكل تقليدي عقيم يقدم الفيلم قاطني العمارة؛ حيث الطبال والمطرب الشعبي «إش إش» (سعد الصغير) وزوجته «رقة» (أيتن عامر) والمحاسب الضرائبي «فوزي» (كريم محمود عبد العزيز) وزوجته «رأفت» (مطربة الحنطور أمينة) والمدرس»عفيفي» (محمد رمضان) وزوجته «عطية» (بدرية طلبة). فوراً، نستشعر حجم التفاوت الطبقي بين سكان العمارة، والرغبة الواضحة في لي ذراع الدراما لإيجاد مبرر ساذج لاجتماع الشخصيات في مكان واحد، قبل أن تنضم إليهم «قمر» التي تصبح مطمعاً للرجال الثلاثة، سواء لأن زوجاتهن دميمات (أمينة وبدرية) أو لأن إحداهن (أيتن عامر) تمتنع عن زوجها في فراش الزوجية!

المفارقة أن القبح لم يتوقف عند حد الإساءة للشخصية الصعيدية بل وصل إلى الشكل القميء الذي ظهرت عليه الزوجات، واختيار أسماء غريبة لبعضهن؛ فواحدة اسمها «رأفت» والثانية «عطية»، في إيحاء غليظ وفج بأنهن «رجال» مقارنة باللبنانية «قمر» التي احتفظ السيناريست باسمها الحقيقي، كما اختار لأيتن عامر اسم «رقة»؛ فالفجاجة لا تتنتهي، وفي كل تفصيلة سذاجة، وأكثرها مهانة مشهد اشتغال «المحاسب الضرائبي» و»المدرس» في «بطانة» البطل «الطبال». فالأول يضرب الرق والثاني يدق الصاجات، وفي مشهد آخر تتحول الحارة الشعبية إلى «ماخور» كبير، بعد ظهور «قمر» وهي ترقص في السوق بملابس عارية بينما يلاحقها الرجال الثلاثة، وهم يغنون معها، وتتحول النساء في الخلفية إلى راقصات محترفات !

الطريف أن المخرج إسماعيل فاروق حاول أن يقدم نفسه فلجأ إلى استعارة صهيل الخيل عند ظهور «قمر» ليشير إلى أنها «فرس»، كذلك صورها في هالة ملائكية، وهي التي فتحت ذراعيها وشقتها الجديدة للرجال الثلاثة وكأنها «فتاة ليل». وعلى رغم المحاولات اليائسة للسيناريست لإضفاء طرافة حقيقية عبر محاكاة مشاهد شهيرة في الأفلام القديمة والسخرية منها على طريقة «البارودي»، لم ينجح شيء في انتشال الفيلم من الهاوية التي سقط فيها بفعل خلل الصورة وضعف الأداء وتراجع القدرة على الإقناع، نتيجة الاختيار السيئ لطاقم تمثيل ثقيل الظل، باستثناء كريم محمود عبد العزيز الذي يملك إمكانات كوميدية كبيرة تنتظر من يفجرها ويوظفها. وجاءت «النهاية التلفيقية» التي صاحت فيها طفلة: «حصل خير»، والتأم شمل الجميع في فرح جماعي «يتزوج فيه المتزوجون» ويغني فيه الكل ويرقص، لتؤكد أننا كنا بصدد فيلم اعتمد على «التهريج» بأكثر مما انطلق من أرضية حقيقية تعرف معنى الإبداع.

لهذا السبب انصرف الجمهور القليل، الذي ساقه حظه العثر لمشاهدة الفيلم عن المتابعة، وانشغل بالثرثرة أو تناول «البوب كورن» أو البحث عن مقعد مجاور لجهاز «التكييف» بينما اندمج البعض الآخر في»الركن البعيد الهادئ» مستمتعاً بممارسة طقوس «رومانسية الظلام»!