كلما ازداد الضغط الشعبي للمطالبة بالإصلاحات السياسية والديمقراطية برز فجأة وبقوة خطاب الكراهية الذي يروج له عادة من خلال أدوات بعضها مستهلك وبعضها جديد، وهو خطاب يجد للأسف الشديد من يصغي إليه وينشغل به نتيجة لازدياد حدة الاستقطابات الفئوية والطائفية في مجتمعنا، وهذا هو بالضبط ما يريده الفاسدون وأعداء الإصلاح السياسي والديمقراطي لكي يحافظوا على نفوذهم غير الدستوري، ومصالحهم الخاصة غير المشروعة.

Ad

بالطبع هناك فرق شاسع بين خطاب الكراهية كالذي دأب جويهل وأمثاله على تسويقه، أو الذي يتبادله الطائفيون المتطرفون وبين "كلمتين" في "توتير" يتفوه بهما معتوه هويته مجهولة، لكن المرحلة الخطرة من الاحتقان الطائفي والفئوي هي التي تجعل مجرد كلمة عابرة لمعتوه مجهول الهوية أو لطامح في الوصول إلى مجلس الأمة، أو لطالب الشهرة كفيلة بإشغال الناس لمدة طويلة في "معركة" تبادل الاتهامات حول خلافات يعود تاريخها إلى منتصف القرن الأول للهجرة!   كثير من الأسئلة تتبادر إلى الذهن هنا، مثل: لماذا برز خطاب الكراهية بشكل حاد خلال السنوات القليلة الماضية؟ وما دور الحكومة في التصدي له؟ ألا يعني ذلك أن البيئة الاجتماعية والسياسية مهيأة جدا لخطاب الكراهية؟ثم من المسؤول عن عدم تهيئة بيئة مناسبة للاندماج الاجتماعي بين المكونات المختلفة للمجتمع كي تصبح عاملا غنيا للمكون الوطني الجامع بدلا من بقائها، كما هي الحال في السنوات الأخيرة، كمكونات اجتماعية منفصلة عن بعضها بعضا ما يجعلها سهلة الانقياد لخطاب الكراهية؟

بمعنى آخر هل للسياسات الحكومية خلال العقود الثلاثة الماضية علاقة بازدياد حدة خطاب الكراهية؟ ولماذا لم يكن خطاب الكراهية موجودا بهذه الدرجة الخطيرة في سبعينيات القرن الماضي؟ ثم هل قانون "العقوبات المشددة" كفيل وحده بالقضاء عليه؟ أليس لدينا قوانين كثيرة لم تطبّق مثل قانون المرئي والمسموع وبعضها يطبق بانتقائية مقرفة للغاية؟

إن محاربة خطاب الكراهية بشكل جدي تتطلب سياسات حكومية جديدة ونوعية ترتكز على فكرة المواطنة الدستورية، حينها سيشعر المواطن بأنه يحصل على حقوقه كاملة لأنه مواطن وليس كابن لقبيلة أو عائلة أو من هذه الطائفة أو تلك، وعندئذ لن تتكون بيئة خصبة للكراهية والبغض الاجتماعي، وسيفقد مروجو خطاب الكراهية مصداقيتهم، ويكسد سوقهم، ويصبحوا منبوذين اجتماعيا، فلا يجدون من يصغي إليهم.

السياسات العامة النوعية المشجعة على الاندماج الاجتماعي والهوية الوطنية الجامعة لا يمكن لها أن تجتمع مع الفساد السياسي، لهذا فإن الإصلاح السياسي والديمقراطي هو الخطوة الأولى الضرورية لمحاربة خطاب الكراهية.