تأجيل وليس تعطيلاً
إن تأجيل اجتماعات مجلس الأمة يعتبر فرصة مناسبة لكي تقيّم كل من الحكومة وما يسمى كتلة «الأغلبية» آداءهما، كما أنه فرصة مناسبة أيضا كي تتوافق قوى التغيير والتجديد خاصة القوى الشبابية على متطلبات المرحلة القادمة لإنجاز مشروع الإصلاح السياسي والديمقراطي الشامل والجذري حتى لا نعود إلى الدوران في حلقة مفرغة.
للمرة الأولى خلال العهد الدستوري تفعل المادة (106) من الدستور لتأجيل وليس تعطيل اجتماعات مجلس الأمة لمدة شهر، وهو الأمر الذي يؤكد وجود أزمة سياسية، بيد أن المشكلة تكمن في أن تأجيل اجتماعات المجلس لن يحل الأزمة السياسية المحتدمة.إذ إن حلها الجذري يتطلب، كما ذكرنا مرارا وتكرارا في هذه الزاوية، الاعتراف بخطأ المرحلة السابقة ثم البدء بإصلاحات سياسية وديمقراطية جذرية ملتزمة بالدستور يقودها فريق متجانس مؤمن بها، ولديه الإرادة السياسية لتنفيذها، وإلا فإننا سنعود سريعا إلى المربع الأول، وستكون العودة مكلفة على وطننا وشعبنا، خاصة الذين خرجوا بأعداد كبيرة قبل عدة أشهر إلى الساحات العامة، مطالبين بوقف الفساد السياسي، وبنهج جديد لم يتحقق أي منهما للأسف الشديد حتى الآن. لماذا لا يبدأ مشروع الإصلاح السياسي؟ ومن الذي يقف في وجهه؟ من الواضح أن هنالك تردداً حكومياً بقبول فكرة الإصلاح السياسي والتجديد الديمقراطي رغم المطالب الشعبية الواضحة التي رفعت أثناء الحراك الشعبي، إذ لم تتقدم الحكومة بأي خطة أو مشروع قانون تدعم هذا التوجه.كما أنه من الواضح أيضا أن القوى المعادية للدستور ونظام الحكم الديمقراطي، وكذلك قوى الفساد والنفوذ المصلحي قد تضررت كثيرا بعد الحراك الشعبي الأخير الذي قادته قوى التغيير الشبابية، وتزامن مع ربيع الثورات العربية، حيث فشل مشروعها القديم الداعي إلى الانقلاب على نظام الحكم الديمقراطي، والعودة إلى ما قبل العهد الدستوري. أضف إلى ذلك أن نتائج الانتخابات الأخيرة قد زادت الطين بلة بالنسبة إلى القوى المعادية للدستور والقوى الفاسدة التي لا تبحث سوى عن مصالحها الخاصة، مما جعلها تفقد صوابها فيجاهر بعض عناصرها المتطرفة بالدعوة إلى الانقلاب على نظام الحكم الديمقراطي رغم أن ذلك سيقودنا إلى المجهول. كما يطالب بعضها الآخر بحل مجلس الأمة والعبث بالدوائر الانتخابية لعل ذلك يغير من تركيبة المجلس بما يخدم أهدافها، ويحقق مرادها، ويعرقل أي محاولة جادة للإصلاح السياسي الشامل والجدي الذي يجدد نظامنا الديمقراطي ويطوره، ويصعّب بالتالي من محاولات العودة إلى الوراء التي أدت إلى عرقلة تطور مجتمعنا وأخرت تنميته.من المؤسف أن أداء المجلس خلال الشهور القليلة الماضية، وبالذات أداء ما يسمى "الأغلبية" لم يلبِّ الطموح الشعبي والشبابي الذي كان يدفع وبقوة باتجاه إنجاز إصلاحات سياسية حقيقية، بل كان آداؤهم في أغلب الأحيان مخيبا للآمال لأسباب كثيرة سبق أن تطرقنا لبعضها، وهو الأمر الذي ساعد القوى المعارضة للدستور ونظام الحكم الديمقراطي والقوى الفاسدة أو التي تضررت مصالحها على تشويه صورة المجلس كمؤسسة دستورية، خاصة أن هذه القوى تملك مؤسسات إعلامية كبيرة ومؤثرة. لهذا فإن تأجيل اجتماعات مجلس الأمة يعتبر فرصة مناسبة لكي تقيّم كل من الحكومة وما يسمى كتلة "الأغلبية" آداءهما، كما أنه فرصة مناسبة أيضا كي تتوافق قوى التغيير والتجديد خاصة القوى الشبابية على متطلبات المرحلة القادمة لإنجاز مشروع الإصلاح السياسي والديمقراطي الشامل والجذري حتى لا نعود إلى الدوران في حلقة مفرغة.