مثلما كانت محاولات الدفاع والترقيع لعهد الحكومات السبع عملية بالغة الصعوبة والتسويق، يجاهد المطبلون للصوت الواحد في تبشيرنا على اختلاف مشاربهم بالعهد الوردي الذي سيجلبه لنا ذلك النظام التصويتي، وأتعسهم من يروج أن رفض مرسوم الصوت الواحد ممكن في المجلس القادم، بمعنى أنه بعد وضع أكبر فلتر لتخريج مجلس خاضع للحكومة، وبعبث واضح ومنفرد من السلطة في قواعد التصويت في غيبة السلطة التشريعية، يريدون إقناعنا بأنه من الممكن رفض المرسوم.

Ad

الحجة الأضعف برأيي عن مرسوم الصوت تنطلق من نظرة حالمة بأن السلطة تعبّد الطريق لعصر النهضة الكويتية الثانية، لأن السلطة حاليا تريد الفكاك من التحالف مع التيار "الديني– قبلي"، وأول خطوة تم اتخاذها هي مرسوم الصوت الواحد، وهذه والله إما حجة ساذجة وإما تغليف لأمور أخرى تبقى في غياهب الصدر، ولا تريد الإعلان عن نفسها.

السلطة منذ عام 2006 لم تخطُ باتجاه وهم التفكك من التحالف مع التيار الديني وخاصة الإخوان المسلمين، فها هم يجمعون الأموال دون رقابة، ومدارس وزارة التربية تحت تصرفهم، وهم من يملكون تمرير مشايخ الدين بحجة التوعية والإرشاد داخل الصفوف والمسارح، الإخوان ما زالوا يحكمون وزارة الأوقاف وقطاع الفتوى المبرمجة فيها، ويهيمنون على نصف مساجد الكويت والنصف الثاني للسلف الصالح، وأقرب المستشارين إلى السلطة هو الدكتور إسماعيل الشطي، فأي وهم يائس تريدون إقناعنا به بأن السلطة فكت تحالفها التاريخي مع التيار الديني؟

الإخوان المسلمون في الكويت يملكون المال الوفير والنفوذ لدى السلطة، وهم يرتكزون في أهم مفاصل الدولة، وجزء قليل من قوتهم موجود في مجلس الأمة، وما حصل هو أن ذلك الجزء تمرد قليلا مع الجزء المتمرد من جماعة السلف مع مجموعة من المعارضة غير المنظمة سياسيا وتنظيميا، إذاً السلطة أرادت فقط تحجيم الجزء المتمرد، وتركت بقية الجسد الإخواني والسلفي يمارس دوره التاريخي والسياسي في شرعنة أفعال السلطة، وإسباغ القداسة والتبجيل على كل أفعالها.

من خسر وحجّم وحوصر هو التيار الوطني الديمقراطي الذي لا ترتفع رايته سوى في مجلس الأمة، وبعض الزوايا الصحافية وجمعيات النفع العام، وغير ذلك فلا مكان له، وعندما تأتي السلطة وتعبث بنظام التصويت، فهي بذلك تعلن مواصلة حرب التصفية على ذلك التيار العقلاني الذي اعتبرته السلطة تاريخيا عدوها الأول، ولا أدل من حقدها وكرهها له عندما يفتح موضوع إعادة نادي الاستقلال أمامها اليوم، وكأن الزمن لم يتجاوز سنة التصفية عام 1977.

الصوت الواحد أيها الواهمون بربيع الحكومة موجه إلى تصفية التيار الوطني الديمقراطي على المديين المتوسط والطويل، وهو مرحلياً موجه إلى إخراج بعض الأطراف المشاغبة التي ستنتهي حسب رهان الحكومة مع الوقت؛ لأنه لا منصة لها غير مجلس الأمة للعمل والظهور، مع إحياء دور نائب الخدمات وجميع الكيانات الاجتماعية ما قبل الدولة الحديثة مثل رؤساء القبائل والطوائف والعائلات.

في الختام ولكل من يبشرنا بالسلطة بحلتها التقدمية القادمة، أبشروا بالخيبات والنكسات، سلطتكم هي الصانع والممول والهادم والباني والرافع والخافض، سيطلقون عليكم بقية التيار الديني لينهشكم بالفتاوى ويضربكم بالقوة المأمورة و"المطاعة" التي لا تعصي أمراً، وسينتهي علي الراشد من تقصيص دستوركم، ففي دولة الصوت الواحد، رأي واحد وتفسير واحد وحليف واحد، وأنتم لستم أكثر من درجة داست عليها السلطة لتجعل الكويت دولة خليجية بامتياز.