سؤال طرحته على نفسي: هل أصبحت مصر المدينة الفاضلة التي يحرص الجميع فيها على احترام القانون، وينزل فيها الحاكم قبل المحكوم على أحكامه، لا يملك فيها تعديلاً أو تغييراً، لأن كل شيء فيها يسير بنظام دقيق؟ هل أصبحت مصر ساعة Big Pen التي لا تخطئ ولا تخلف فيها المواعيد؟

Ad

ميعاد الاستفتاء

سؤال طرحته على نفسي عندما خرج الجميع، الممثلون لأحزاب التيار الإسلامي، والنخب الإسلامية التي لا تنتمي إلى هذه الأحزاب، والتي أكنّ لها كل تقدير واحترام لتاريخها الطويل المشرف، ومعهم أستاذ في القانون الدستوري في خريف العمر مثلي، خرجوا من الحوار الذي دعا إليه رئيس الجمهورية في قصر الرئاسة حول الإعلان الدستوري الذي أصدره في الحادي والعشرين من نوفمبر، والذي حصن فيه من الطعن أمام القضاء القوانين والقرارات كافة التي أصدرها منذ توليه سدة الحكم أو يصدرها حتى إقرار الدستور.  وهو الاجتماع الذي حضره الرئيس لمدة نصف ساعة وغادر الاجتماع، ليستمر اجتماع هذا الجمع ساعات طويلة برئاسة نائبه، ثم خرجوا علينا ليدلوا ببيان يقولون فيه للشعب المصري، في الأزمة الطاحنة التي كادت تورد البلاد إلى حافة الحرب الأهلية إنهم جميعاً وبإجماع الآراء يرون أنه لا سبيل من الناحية الدستورية لتعديل ميعاد الاستفتاء على دستور مصر الذي وضعته الجمعية التأسيسية، قبل يوم واحد.

ميعاد لم يرد في نص قرآني

وعدت لأطرح عدداً من الأسئلة على نفسي اللوامة: هل ورد هذا الإعلان في نص قرآني أو حديث نبوي حتى لا يقبل التعديل أو التغيير؟

    وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام، "إذا أمرتكم بشيء  فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فتجنبوه".

ويعلم أصحاب هذا البيان أنه ليس في مقدور حتى المتخصصين في الفقه الدستوري أن يلموا في هذه الفترة الزمنية الوجيزة، خمسة عشر يوما، بأحكام هذا الدستور، فما بالك بغير المتخصصين حتى من المثقفين والمتعلمين؟ وما بالك بجماهير عريضة من هذا الشعب التي أبقاها النظام السابق في أمية تصل نسبتها إلى أكثر من40%؟ وهي أمية اعترفت بها مسودة الدستور وحددت عشر سنوات لمحوها في أفضل الظروف، وهي جماهير كانت في حاجة إلى حوار مجتمعي كثيف في كل وسائل الإعلام، وفي القرى والنجوع. وإذا كان هذا الدستور قد لبى طموحات الشعب المصري، وأنه أبدع وأجمل دستور تراه هذه المنطقة أو يراه العالم كما يقول رئيس الجمعية التأسيسية التي وضعت هذا الدستور، فلماذا استعجال النتائج، واستعجالها يعني ثمرة فجة غير ناضجة؟ ألم يستعجل التيار الإسلامي النتائج في الاستفتاء الذي جرى على تعديل سبع مواد في دستور 1971 في التاسع عشر من مارس 2011، وشبهوا الاستفتاء بغزوة الصناديق، ووزعوا صكوك الغفران على من يقول بنعم في هذا الاستفتاء؟ وهي الصكوك التي وزعها التيار الإسلامي أمس كذلك على غزوة الصناديق الجديدة، في الاستفتاء على الدستور؟ وكان حصاد استفتاء 19 مارس ثمرة فجة غير ناضجة أدت بنا إلى هذا الفراغ الدستوري، وإلى إعلانات دستورية، الواحد تلو الآخر من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ومن رئيس الجمهورية، وهي إعلانات ما أنزل الله بها من سلطان.

ميعاد لا يستعصي على رئيس الجمهورية

الاحتكام إلى الصناديق في الاستفتاء على الدستور في الخامس عشر من ديسمبر 2012، والإصرار على عدم المساس بميعاد ورد في الإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 30 مارس 2011، هو كلمة حق يراد بها باطل، لأن رئيس الجمهورية ألغى إعلانًا مثله، وهو الإعلان المكمل الذي أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بل ألغى ما هو أكثر منه في إعلان 30 مارس، عندما حصن قراراته بإعلانه الدستوري الصادر في 21 نوفمبر سنة 2012 بالمخالفة لأحكام الإعلان الدستوري الصادر في 30/3/2011 سالف الذكر. ولم يستعصِ على رئيس الجمهورية تعديل الموعد الذي نص عليه إعلان 30 مارس لإعداد مشروع دستور جديد للبلاد من ستة أشهر إلى ثمانية أشهر من تاريخ تشكيلها في إعلانه الدستوري الصادر في 21/11/2012، وهو الإعلان الذي ألغاه كذلك، فهو أمر اعتاد عليه السيد رئيس الجمهورية، فلماذا يستعصي عليه هذا الإعلان؟ والمواعيد جوهرها ضمان أن يخرج العمل المستفتى عليه صالحا للاستفتاء، ولهذا حرص الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة الصادر في 17/6/2012، على النص في المادة الثالثة على أنه "إذا قام مانع يحول دون استكمال الجمعية التأسيسية لعملها شكل رئيس الجمهورية خلال 15 يوماً جمعية تأسيسية جديدة تمثل أطياف المجتمع المصري بعد التشاور مع القوى الوطنية لإعداد مشروع الدستور الجديد خلال ثلاثة أشهر من تاريخ تشكيلها". كما حرص الإعلان الدستوري المكمل كذلك على النص على "أنه يجوز لرئيس الجمهورية أو رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أو رئيس مجلس الوزراء أو المجلس الأعلى للقضاء أو خمس عدد أعضاء الجمعية التأسيسية، الطلب من الجمعية إعادة النظر في النصوص التي يراها أي منهم متعارضة مع أهداف الثورة ومبادئها الأساسية، فإذا أصرت الجمعية على رأيها، فإن من حق أي منهم أن يعرض الأمر على المحكمة الدستورية العليا، وتصدر المحكمة قرارها خلال سبعة أيام من تاريخ عرض الأمر عليها، ويكون قرارها ملزمًا للكافة". ولئن كان قد أُلغي هذا الإعلان إلا أن حق رئيس الجمهورية في تعديل ميعاد الاستفتاء سالف الذكر بما يحقق ضمانة للمواطنين في العلم والإحاطة بأحكام الدستور ضرورة تمليها عليه مسؤولياته الدستورية دون حاجة إلى نص، فالضرورات تبيح المحظورات، إن كان هناك محظور أصلاً.

وإذا كان أهل الحل والعقد قد أفتوا الرئيس بأن تغيير الميعاد مفسدة، ألم يكن سفك الدماء التي سالت في كل محافظات مصر مفسدة أكبر، وأنه إذا تعارضت مفسدتان روعي ارتكاب أخفهما، بتأجيل هذا الموعد؟

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.