غالبية التحليلات حول سورية تدور حول ماذا سيحدث لو زال النظام في سورية؟ وهل الأفضل بقاؤه أم زواله؟ وكيف سيكون حال الإقليم بدون سورية؟ وكيف سيتأثر التوازن الإقليمي؟ إن مجرد فكرة ذهاب النظام وتداعيات ذلك الغياب على مراكز القوى في الإقليم هي في واقع الأمر التي تؤخر ذهابه من إيران إلى الخليج إلى إسرائيل إلى أميركا إلى تركيا.
البعض يرى مصلحةً في ذهابه سياسياً فيسعى إلى الإطاحة به، والبعض الآخر يرى عكس ذلك فيتمسك به ويسعى إلى الإبقاء عليه، وبالطبع يتم استخدام البعد الإنساني المستحق في ذات الإطار.ليس هناك جديد في انتهاكات حقوق الإنسان في سورية، وبالنسبة إلى الكثيرين من أمثالي فصورة النظام القمعية لم يتغير بها شيء. الذي تغير فقط هو الدرجة لا طبيعة النظام. والذي تغير هو حراك شعبي سوري لم يستطع التحمل. النظام السوري هو ذات النظام الذي كان حتى فترة قريبة المعبر الأساسي للمقاتلين المتسللين في طريقهم إلى العراق للعمليات الانتحارية، وهو ذات النظام الذي كان أثيراً لدى دول الخليج فأصبح لابد من رحيله. هي السياسة التي لا تثبت على أرض بل في تغير دائم.في خضم تداعيات الحالة السورية فات على كثيرين واحد من أبعادها الإنسانية وهي حالة "البدون" في سورية، وبالذات من الأكراد من سكان مناطق كالقامشلي والحسكة وغيرهما. كان لافتاً أن من أوائل قرارات التنازلات التي أعلنها الرئيس السوري قرار 49 على 2011 الذي تُمنَح بموجبه الجنسية لـ"بدون" سورية، هكذا وبجرة قلم، وبعد معاناة تجاوزت الـ50 عاماً. فعديمو الجنسية في العالم الذين يقدر عددهم بـ12 مليون إنسان هم من أكثر الفئات المهمشة والأكثر عرضة للانتهاك سواء أكان ذلك في الكويت أو في لاتفيا أو بنغلادش. ويقدر عدد البدون في سورية بحوالي 300 ألف معظمهم من الأكراد ينقسمون إلى قسمين رئيسين هما الجنابية وأغلبهم مسجلون في إحصاء 1962، والقسم الثاني هم المكتومية أو مكتومو القيد، والملاحظ أن العوائل منقسمة بين المجموعتين. وبموجب القرار فقد تقدم لطلب الجنسية حتى الآن 105 آلاف وحصل عليها 69 ألفاً كلهم من الجنابية، وبالتالي جاء إعلان التجنيس تحت ضغط سياسي، ويتم تنفيذه ناقصاً كجزء من مناورة، حيث مازالت أغلبية بدون سورية بلا هوية إلى أجل غير معلوم.في الصراعات السياسية التي تتحول إلى العنف يظل البعد الإنساني هو الأقل أهمية بغض النظر عما يقال في العلن، ويضيع فيها المهمشون من بدون وغيرهم، وحين ينتصر المنتصرون ينسون أو يتناسون ما قالوه وما وعدوا به، ويعود المهمشون إلى وضعهم السابق، حكاية مكررة لعلها تنتهي يوماً ما.
أخر كلام
بدون سورية
04-06-2012