حملها بألحانه إلى أبعد من الحدود الإقليمية

Ad

الملحن الراحل مرزوق المرزوق أحد أبرز أعمدة الأغنية الكويتية الحديثة، اضطلع مع إخوانه الملحنين والمطربين بمسؤولية تقديمها في إطار متجدد، وكان وراء تجاوزها حدود الإقليمية إلى شتى أنحاء الوطن العربي، بفضل إخلاصه وتضحياته التي بذلها في مسيرته الفنية الطويلة، فترك لمسات خاصة وبصمات مميزة في نوعية الألحان المطورة، خصوصاً في الجمل اللحنية الوطنية.

أثرى الفنان مرزوق المرزوق (رحمه الله تعالى) المكتبة الكويتية بحوالى مئة لحن بين أغنية وطنية وعاطفية ومقطوعة موسيقية وأوبريت، وهذا العدد قليل بالنسبة إلى الملحنين من أبناء جيله، إلا أنه من النادر أن نجد له لحناً فاشلا... فأعماله كافة مدروسة ومتقنة ومستمدة من الروح الكويتية، في إطار عصري مع الحفاظ على أصالتها. وقد تجاوز مرحلة التطوير التقليدي، مازجاً التراث في تعامله مع الأغنية، بذكاء وحرص وأمانة في استخدام الموروث الفني ضمن ضوابط ملتصقة بالقيم.

بطاقة ذاتية

اسمه الحقيقي مرزوق أحمد الدوسري، من مواليد الكويت (1946). في العاشرة من عمره شعر بميل إلى الموسيقى عموماً والاستماع إلى المطربين. آنذاك جذبته نغمات الإيقاعات الجميلة فحفظها ورددها بينه وبين نفسه، وصنع من صفيحة البنزين (تسمى جلن) آلة موسيقية شبيهة بالربابة أو العود، عزف عليها باستمرار أجمل الألحان العربية والكويتية الأصيلة حتى جرح أطراف أصابعه. بعد ذلك اقتنى عوداً، لأنه كان يطرب عند الاستماع إلى هذه الآلة الشرقية، وتعلم العزف عليه، هكذا بدأت موهبته في التلحين بالظهور وراح يلحن نصوصاً حازت إعجاب الفنانين الذين التقى بهم.

انطلاقة وتفوق

بعدما أنهى دراسته المتوسطة في مدرسة صلاح الدين (1962)، التحق المرزوق بقسم دراسة الموسيقى في معهد المعلمين ليشبع هوايته ويصقلها، وبعد تخرّجه عيّن مدرّساً في وزارة التربية. أول لحن له كان عبارة عن أغنية سامرية بعنوان "في غرامك” غناء المطرب عباس البدري وكلمات سعد الثويني (1967).

في أوائل السبعينيات، سافر إلى جمهورية مصر العربية لدراسة الموسيقى على أصولها، وبعد أعوام من الكفاح والاجتهاد نال البكالوريوس في المعهد العالي للفنون الموسيقية في القاهرة (1977)، وفي العام نفسه طوّر المرزوق صوتاً عربياً في عنوان "قف بالطواف”، فظهر بقالب جديد منسق وكأنه لحن جديد، غناه الفنان شادي الخليج، وأذيع في إذاعة الكويت والتلفزيون وحقق نجاحاً. سبق لفنان الكويت عبد الله الفرج أن لحن هذا الصوت وغناه فنانون كويتيون قدامى، يقول في مطلع الأغنية:

قف بالطواف ترى الغزال المحرما

حج الحجيج وعاد يقصد زمزما

بدر إذا كشف اللثام رأيته

أبهى من القـمر المنير وأعظما

سافر المرزوق بعد ذلك في بعثة دراسية إلى الولايات المتحدة لنيل شهادة الماجستير والدكتوراه، رافقه فيها كل من زوجته وأطفاله، وبعد دراسة سنة ونصف السنة اعتذر وطلب تأجيل البعثة لظروف قاهرة خاصة.

جمعية الفنانين

بعد تخرجه في معهد المعلمين وتسجيل له أول أغنية من ألحانه في إذاعة الكويت انخرط في جمعية الفنانين الكويتيين (1967)، وأصبح عضواً في مجلس الإدارة (1968 - 1971) واستمرت عضويته إلى 1979.

شارك في الحفلة السنوية التي أقامها الاتحاد الوطني لطلبة الكويت - فرع بيروت (1969) بإشراف أعضاء جمعية الفنانين الكويتيين: عبد الله بوغيث، صالح العثمان، مرجان عبد الله، بدر الجويهل، غريد الشاطئ، نجم العميري، أحمد عبد الكريم والشاعر جاسم شهاب... كذلك كانت له مشاركات في حفلات عدة أثناء عضويته في لجنة الحفلات في الجمعية، فقدم مقطوعة موسيقية في حفلة عيد الأضحى في فندق الميريديان (12 فبراير 1970).

شارك مرزوق المرزوق في اجتماع لجنة دعم العمل الغدائي في جمعية الفنانين الكويتيين (5 فبراير 1970) وأصبح عضو اللجنة المنسقة مع جمعية الهلال الأحمر الكويتي، وضمن تشكيلة لجنة دعم العمل الغدائي الفلسطيني (مارس 1971).

كذلك شارك في اجتماعات لجنة الملحنين التي شكلها مجلس إدارة جمعية الفنانين (5 سبتمبر1971) بهدف تلاحم عمل المطربين والملحنين، وقد أصدرت اللجنة قرارات في هذا الصدد (13 سبتمبر1971).

فنان مبدع

الفنان مرزوق المرزوق ملحن كبير متمكن من أدواته، لديه قدرات خاصة في تقديم ألحان أصيلة أكدت تميزه عن غيره من الملحنين، وكانت ثمرة هذه الخصوصية أنه قدم منذ بداياته أعمالا رائعة لنجوم الأغنية الكويتية من أبرزهم: عبد المحسن المهنا، مبارك المعتوق، عباس البدري، غريد الشاطئ، حسين جاسم الذي غنى له "شمعة الجلاس” من كلمات الشاعر جاسم الشهاب (تذاع في الإذاعة والتلفزيون لغاية اليوم)، يقول في مطلعها:

حبيبي شمعة الجلاس

ولاكو من يصد عنه

غشيم بالهوى ما داس

أدروبه مـن صغـر سنه

اشترك مع الملحن غنام الديكان في تلحين أغاني مسلسل "درس خصوصي” (1974) كلمات الشاعر الغنائي فايق عبد الجليل، إنتاج تلفزيون الكويت. كذلك لحن "يوم خلي طرا”، أغنية عاطفية من كلمات الشاعر الغنائي الراحل محمد التنيب، غناها المطرب عبد المحسن المهنا (22 سبتمبر 1974)، أحد أبرز نجوم الأغنية الكويتية المطورة، فحققت نجاحاً عندما أذيعت في الإذاعة وعرضت في التلفزيون، يقول في مطلعها:

يوم خلي طرا

قلبي واعزيتـله

دمع عيني جرا

ما توقف هميله

في إطار دراسة إمكان تطبيق قانون التأمينات الاجتماعية على الفنانين شارك مرزوق المرزوق مع الفنان القدير عبد العزيز خالد الفرج (أمين سر جمعية الفنانين) في اجتماع بين مؤسسة التأمينات الاجتماعية وجمعية الفنانين (أكتوبر 1974)، وفي الشهر نفسه سجل المرزوق لحن أغنية للمطرب مصطفى أحمد من كلمات الشاعر الغنائي بدر بورسلي، يقول في مطلعها:

أول ما نبدي نقول

شيللاه

ألف الصلاة على الرسول

شيللاه

طيران الفرح ترقع

شيللاه

وطبول الفرح ترقع

شيللاه

عام 1978، تلقت جمعية الفنانين دعوة من أمانة المجمع العربي للموسيقى التابع لجامعة الدول العربية، للمشاركة في تأسيس اتحاد الموسيقيين العرب عملاً بتوصية المؤتمر الرابع المنعقد في بغداد (1975) ويضم نقابات وجمعيات خاصة بالموسيقيين في الوطن العربي، وقد كُلف أمين سر الجمعية آنذاك رئيس الجمعية حالياً الفنان عبد العزيز المفرج والفنان الراحل مرزوق المرزوق بمتابعة الخطوات التنفيذية اللازمة.

وفي 13 مارس 1978، شارك المرزوق ضمن وفد جمعية الفنانين برئاسة عبد العزيز المفرج في لقاء الأخوّة والصداقة مع فناني العراق: منذر جميل حافظ وباسم حنا بطرس... ومثل المرزوق دولة الكويت مع المخرج بدر بورسلي في "مهرجان الربيع للموسيقى”، الذي أقيم في برانت - تشيكوسلوفاكيا (12 مايو- 4 يونيو 1979).

في الإذاعة والتلفزيون

تعامل الفنان المرزوق مع الإذاعة الكويتية في مجال الدراما، فسجّل موسيقى خاصة بمسلسل إذاعي توثيقي (1980)، حول سيرة الفنان الكويتي الأصيل الراحل عبد الله فضالة وأنشطة أخرى لها علاقة بفرقة التلفزيون للفنون وجمعية الفنانين الكويتيين.

في مايو 1981، صور تلفزيون الكويت أغنيات لـ "فرقة التلفزيون للفنون الشعبية” من تلحين مرزوق المرزوق ومن كلمات الشعراء: د. عبد الله العتيبي، فهد بورسلي، عبد الله الدويش، فتميزت باعتمادها إيقاعات شعبية مثل القادري وفن الشابوري. في العام نفسه رافق المرزوق فرقة التلفزيون في رحلتها إلى تونس والمغرب لتقديم عروض فنية مشوقة (9 - 18 يوليو 1981).

كان له نشاط متميز آخر في مجال الدراما الإذاعية، إذ سجل موسيقى تصويرية وأغاني خاصة بالمسلسل الإذاعي "مظلوم وحبيبه” (1982)، بطولة أشرف عبد الغفور وهدى المهتدي الريس، إخراج مهند الأنصاري، غنى فيه المطرب غريد الشاطئ سبع أغان من ألحان المرزوق وكلمات الشاعر عبد الأمير عيسى.

في 25 فبراير 1983، قدمت "فرقة التلفزيون للفنون” استعراضاً غنائياً بمناسبة العيد الوطني الثاني والعشرين، من تطوير وتلحين الفنان مرزوق المرزوق والملحن غنام الديكان، تضمن أنواعاً من الفنون من بينها الخماري والسامري، وصُوّر للتلفزيون من إخراج محمد السنعوسي وفيصل الضاحي.

كان الفنان المرزوق ضمن وفد الكويت المشارك في الأسبوع الثقافي الذي أقيم في اليمن (1983)، وضم فنانين من أعضاء جمعية الفنانين من بينهم: شادي الخليج، غريد الشاطئ، أحمد القطامي، بدر الجويهل، غنام الديكان، نجم العميري.

يا شموس الخليج

كتب الشاعر الدكتور عبد الله العتيبي أوبريت "يا شموس الخليج” التي سجّلت في 21 أكتوبر 1984، وقدمت أمام زعماء دول مجلس التعاون الخليجي لدى انعقاد مؤتمر القمة في الكويت، وقد لحن الفنان المرزوق الفقرة الخاصة بالمملكة العربية السعودية متّبعاً فيها فن "العرضة”، وغناها الفنان محمد عمر، يقول في مطلعها:

أي أرض حـدودهـا الكبـريـاء

وسمـاهـا يمـوج فيـهـا الضيـاء

واليهـا يحـل بـدر الليـال

مثـل أرضـاً قد كرمتـهـا السمـاء

كذلك لحن الفقرة الخاصة بدولة الإمارات العربية المتحدة مستخدماً فيها "فن العياله”، وغناها المطرب عبد الله بالخير.

في عام 1985، قدمت "فرقة التلفزيون للفنون” من ألحان المرزوق "سلمك ربي”، أغنية وطنية من كلمات الشاعر يعقوب السبيعي. في العام نفسه شارك المرزوق في تلحين أغانٍ لسهرة تلفزيونية صُوِّرت لـ "فرقة التلفزيون للفنون” من إخراج جواد عبد الله هي: "هذه أمانينا” كلمات الدكتور عبد الله العتيبي، "يا الله المعتلي” من كلمات يعقوب السبيعي، صوت تأليف الدكتور عبد الله العتيبي، "هلي يالله” (أغنية شابوري) من تأليف الدكتور عبد الله العتيبي، "في هوى ريم” من كلمات الشاعر يعقوب السبيعي.

في عام 1988 لحن أغنية "من غير داعي”، كلمات الشاعر ساهر، غناها المطرب محمد المسباح.

شارك المرزوق مع الفرقة ضمن وفد دولة الكويت في "المهرجان الثقافي الأول” لدول مجلس التعاون الذي أقيم في اليابان (19 - 26 سبتمبر 1985). ولمناسبة الاحتفال باليوبيل الفضي لدولة الكويت (1986) كان لفرقة التلفزيون النصيب الأكبر بتقديم استعراضات غنائية راقصة، فقدمت أغنيات من كلمات الشاعر يعقوب السبيعي وألحان مرزوق المرزوق من بينها: "دار النشامى”، "أم العواطف”، "في هوى ريم”، "شمس الأعياد”، "مبروك يا كويت”، يقول في مطلعها:

مـدوا الخطـاوي

الـدرب ضـاوي

يا شعـب الكويـت

بالـروح نـادى

افـدي الضحـاوي

يـا شـعـب الكويـت

مع مصطفى أحمد

في عام 1990، قدم المرزوق ألحاناً جميلة إلى المطرب مصطفى أحمد في ألبومه الذي أصدره ذلك العام، وهي آخر أعماله الغنائية، من بينها: "واعذابي” من كلمات الشاعر عبدالله العجيل، "ياذا النسيم” من تأليف الشاعر يعقوب السبيعي، يقول في مطلعها:

يـاذا النـسيـم اللـي هـنـا

من صـوب عـذبـات الـوعـودي

الـروح لـك غيمـة وفـا

تسـقـى بستـايـن الـورودي

في العام نفسه سجل له المطرب سليمان الملا من كلمات الشاعر ساهر "يا معاند الشوق”، أغنية عاطفية تعدّ من الأعمال الرائعة التي يعتز بها الفنان سليمان الملا ويذكرها دائماً ويقول فيها:

يـا معـانـد الشـوق وقـاصـد تجـازينـي

شـا اللـي بـدا مني وشا اللي أنـا سويـت

وإن كـان فـي رايـك تبغـي تـوازيـنـي

صـدقـنـي يا روحـي فعـلاً تـوازيـت

أغانٍ مميزة

على رغم قلة الألحان الغنائية التي قدمها الفنان المرزوق إلا أن حضوره دائم على الساحة الغنائية من خلال الأعمال القيمة والأغاني الرائعة التي تذاع لغاية اليوم في وسائل الإعلام، وتذكر كأعمال غنائية كويتية متميزة من بينها: صوت عربي مطوّر للفنان القدير شادي الخليج. "من غير مواعيد” للمطرب عبد الكريم عبد القادر من كلمات الشاعر يوسف ناصر. "تمون” كلمات الشاعر بدر بورسلي و”من يشبهك” من كلمات الشاعر أحمد الشرقاوي للمطرب محمد المسباح. "أحاول” للمطرب مصطفى أحمد، من كلمات الشاعر مبارك المعتوق. "سيد المها” و”ناعم العود” من كلمات الشاعر مبارك الحديبي للمطرب عبد الله الرويشد. "أفرح” للمطرب فيصل السعد، من كلمات الشاعر أحمد الشرقاوي. كذلك غنى المطرب والملحن سليمان الملا أغنيتين من ألحان المرزوق، الأولى من كلمات ساهر والثانية من كلمات الشاعر يعقوب السبيعي.

وفـاتـه

يوم الجمعة الموافق 18 أغسطس 2000 فقدت الساحة الغنائية الكويتية الفنان مرزوق المرزوق، الذي كان له دور بارز في الحفاظ على التراث وتطوير الأغنية الكويتية الفلكلورية وتقديمها بشكل عصري للأجيال الجديدة من فناني الكويت... وبوفاته ترك الراحل مرزوق المرزوق فراغاً في الساحة الغنائية.