الرسالة واضحة وجليّة
«همّ قاعدين مستريّحين هناك، عندهم البورصات والدنيا، واحنا عَمّال نضرب في بعضينا». جاءت هذه العبارة على لسان عامل بسيط في مطعم توقّفت عنده برهة لأخذ فطوري الصباحي، وبالطبع يقصد بقوله (همّ) أميركا والدول الغربية عموما، وربّما تلخّص كلماته مجمل ما نشهده في العالم الإسلامي من مظاهرات، وحالات إحراق وتشويه للسفارات، والبعثات الدبلوماسية، والمطاعم، وهي قبل هذا وذاك تشويه للصورة الإسلامية الناصعة، والخلق الحسن الذي يدعو إليه الدين الإسلامي بالحوار، والاحتجاج العلمي المقنع، واللجوء إلى القضاء والمؤسسات المدنية الرسمية، كما أن هناك مجالا للضغط على الحكومات في بلادنا الإسلامية للتحاور مع الآخر، وإقناعه دبلوماسيا، واقتصاديا بإيقاف الحملات المسيئة للإسلام، ولرسولنا الكريم.
الفيلم في مشاهده المبثوثة عبر الـ»يوتيوب» ومواقع التواصل الاجتماعي ليس سوى لقطات مجمّعة بأسلوب بدائي ورديء بحسب المتخصصين في الإخراج والإنتاج السينمائي، وما من هدف له سوى إثارة المسلمين، وتحريك غريزة الانتقام لديهم، وبذلك يكون هدف منتجي الفيلم قد تحقق، في إظهار المسلمين بالصورة التي يريدون، بينما منتج الفيلم، ورفاقه، سواء من أقباط مصر أو غيرهم يحتمون بالإقامة في أميركا، ويجنون ثمرة فعلهم الشنيع، إنهم بالتأكيد يسخرون منا في الوقت الراهن. ولو لم تُثَر هذه الضجة بشأن الفيلم الذي لم يعرض حتى اللحظة في دار للسينما، وهو وضيع إلى حد يجعل أصحابه لا يفكرون حتى مجرد تفكير في نقله إلى عالم هوليوود، وصالات العرض الأميركية الكبرى. فكيف استطاع فيلم بهذه الدناءة، إحداث ضجيج كبير كهذا؟ على مستوى الدبلوماسية الغربية ذاتها، ما من دولة دعمت هذا الفيلم أو تعاطفت معه، بل إن الوزيرة هيلاري كلنتون أدانت الفيلم، ووصفته بـ»المقرف» وقالت لا علاقة للولايات المتحدة به» حتى وإن كان منتجه يحمل الجنسية الأميركية، وفي المجمل فإن غالبية القتلى والمصابين هم مواطنون عرب ومسلمون، في مصر وتونس، والسودان. وكان سلوكا متحضرا ذلك الذي قام به عشرات من المواطنين الماليزيين الذي كتبوا رسالة احتجاج، وسُلمت إلى السفارة الأميركية في بلادهم، وكان بوسع الدول الإسلامية مثلا أن تتبنى ذلك المقترح الذي يقضي إلى استصدار قرار أممي يجرّم المساس بالرسل والأديان السماوية، وإن كان القرار يصطدم بعوائق عديدة كتحديد الديانات السماوية، وتحديد رموزها المقصودة، وفي كل الأحوال صار لزاما على الدول الإسلامية طرق أبواب القضاء العالمي، والتحاور تحت قبة الأمم المتحدة، وفي حال صدور قرار كهذا لن يفلت أحد يسيء إلى رسولنا الكريم، حتى وإن كان في أوروبا أو الولايات المتحدة. وما كان ينبغي علينا الانتظار سبع سنوات أخرى، بعد أن ظهرت معضلة الإساءة للرسول الكريم عبر الصحف الدنماركية عام 2005، التي احتمت حينها بحرية التعبير في بلادها، وتبعتها صحف أخرى، فرنسية وألمانية، ولو تمكنت الدول الإسلامية في حينها من استصدار قرار يجرّم الإساءة إلى الرموز الدينية لما تجرأ، ذلك السفيه بإنتاج فيلمه المسيء هذا، لأنه يدرك يقينا بأن يد القانون ستطاله، وسيراه العالم محاطا بأسوار القضاء، في ردهات المحاكم. استصدار القرار ليس سهلا، وسيواجه عقبات عديدة، ولكن للدول العربية والإسلامية أسلحة عديدة يمكن استخدامها للضغط باتجاه إقراره، ومن بينها النفط، وسلاح التجارة. وتلك النقطة تحديدا المتعلقة بالاقتصاد هي ما يزعج الدول الغربية إن هي وفّرت الحماية لهؤلاء المسيئين للأديان السماوية، وجميعنا يتذكّر ما حلّ بالدنمارك عشية إعلان المقاطعة، واضطر عدد من شركات الألبان لديها لتقليل كمية الإنتاج، والوقوع في خسائر فادحة جراء مقاطعة الدول العربية والإسلامية لمنتجاتها، الأمر الذي دعا الحكومة الدنماركية رسميا للتدخل في الموضوع، ومحاولة إيقاف المقاطعة. كان القرار في حينها شعبيا صرفا، تم تداوله عبر وسائل الإنترنت، والمنشورات اليدوية البسيطة، ولكنها كانت خطوة مدروسة وحكيمة، ولا ننسى كذلك المقاطعة التي حدثت للمنتجات الأميركية، والمشروبات الغازية، وهي العلامة البارزة على التجارة الأميركية، حدث ذلك إثر استخدام الفيتو المناهض للفلسطينين في مجلس الأمن الدولي لأكثر من مرّة. التحاور مع الآخر، استصدار القرارت الأممية، وتوزيع الكتب التي تبين حقيقة الإسلام، وتعاليمه السمحة، وأخيرا المقاطعة التجارية، كلّها أمور قد تؤتي أكلها، وتوصل الرسالة بيّنة وجلية، ولا يحدث ذلك بالقتل، والحرق والتخريب.