ما تعرضت له هيئة أسواق المال ورئيسها المصرفي المخضرم صالح الفلاح في الفترة الأخيرة من انتقادات واتهامات من الأغلبية المبطلة دستورياً، هو نموذج جديد لأسلوب عمل تلك الأغلبية وممارستها التي ينطبق عليها أسلوب "الفزعة الجاهلية" وتوجيه الاتهامات دون سند أو أدلة أو حتى فهمٍ للقوانين. والمؤسف أن السيد الفلاح يتعرض مجدداً لموجة من الاتهامات الظالمة، بعد الذي عاناه سابقاً من ممارسات مشابهة خلال شغله منصب مدير البورصة، وأثبتت الأحداث لاحقاً أن كل هذه الاتهامات في تلك الفترة كانت خاطئة ومفبركة ضده، وأن قرارات الفلاح وتوجهاته لو تم الأخذ بها جميعاً ولم تتم مقاومتها وتعطيلها لوفرت على بورصة الكويت الكثير من الهزات وعلى المستثمرين والسوق كمّاً كبيراً من الخسائر.

Ad

تلك الفزعة الجاهلية التي تداعى لها عدد من السياسيين الأسبوع الماضي دون سند، وَجهت سلسلة اتهامات، عبر تصريحات وبيانات إعلامية أطلقها عدد من نواب وأعضاء مجلس 2012 المبطل ومجلس 2009 القائم حالياً، تتهم الحكومة وهيئة أسواق المال بالتجاوز على صلاحيات النواب الرقابية بسبب إحالة زميلهم العضو السابق عبدالله الطريجي إلى النيابة العامة على خلفية اتهاماته للهيئة وقيادييها بالفساد. التصريحات خلطت الأمور وركزت على أن الإحالة كانت بسبب سؤال برلماني للطريجي، وهو تزييف وخلط للأوراق لأن الإحالة كانت تحديداً بسبب تصريحات للطريجي نشرت في الصحف في 18 يونيو الماضي، يتهم فيها الهيئة ومسؤوليها بالفساد وارتكاب تجاوزات مختلفة، والشكوى للنيابة العامة تمت بناءً على قرار من مفوضي الهيئة وفقاً لقانونها رقم 7 لسنة 2010 الذي يمنحها استقلالية كاملة.

المحزن أن مَن صرحوا واتهموا الحكومة والهيئة، وهم سياسيون يتعاملون مع الشأن العام، من المفترض أنهم اطلعوا على قانون الهيئة الذي لا يسمح للحكومة بالتدخل في قرارها ويمنحه للمفوضين الذين يديرونها وفقاً لهيكلها الإداري، خاصة أن القانون صادر عن مجلس الأمة 2009 وكان أبرز من أعده هو النائب عبدالرحمن العنجري وعدد من نواب الأغلبية المبطلة الذين حرصوا على ضمان استقلالية هيئة أسواق المال.

تلك الواقعة أثبتت أن معظم سياسيينا لا يقرأون، أو يقرأون ولا يستوعبون، أو أنهم حتى إذا قرأوا وعلموا فإنهم يلوون الحقائق لخدمة غاياتهم ومصالحهم السياسية والشخصية، وبالتأكيد فإنه لم يكن هناك خيار أمام هيئة أسواق المال سوى إحالة اتهامات الطريجي لها بالفساد إلى النيابة العامة لتبتّ فيها، خاصة أن الهيئة جاءت كمرحلة جديدة في الاقتصاد الكويتي للتغلب على تجاوزات الماضي وما سببته للبورصة الكويتية وللمستثمرين من مصائب وانتكاسات كبيرة، وفي هذا الصدد لا يمكن للهيئة ومسؤوليها أن يبنوا الثقة المحلية والعالمية ويكرسوها لهم إذا تجاوزوا عن أي اتهام لهم، وهي ممارسة صحيحة مئة في المئة من رئيسها الفلاح ومفوضيها الذين صوتوا على اتخاذ القرار وفقاً لبنود قانون الهيئة، لاسيما أن موضوع أسئلة الطريجي مختلف عما وُجِّه من اتهامات مباشرة بالفساد في تصريحاته الصحافية المنشورة.

بلا شك أن الهيئة، وهي تبني مقومات أسواق مالية على مقاييس عالمية تضمن حماية سمعة الاقتصاد الكويتي ومصالح المستثمرين ومحاربة المتلاعبين، ستواجه حرباً، خاصة بعد أن نجحت في تطبيق نظام التداول الجديد وإصدار قرارات مهمة لمحاربة التجاوزات بمختلف أنواعها، كما أن هناك بعضاً آخر يمارس الضغوط لأهداف منفعية ذاتية، خاصةً أثناء سعي الهيئة لبناء كوادرها الذاتية للتعامل مع مهام الرقابة وتمحيص الميزانيات والمعاملات المالية، وهي التي تعاني نقصاً في القوى البشرية، ما يؤخر إعلان الميزانيات للشركات وخلافه، ويعطل أعمال الهيئة الحساسة والملحة.

وفي هذا السياق فإن قانون الهيئة يعطي القائمين عليها الصلاحيات الكاملة في تعيين الكوادر وتدريبها كما يرون، دون أن يردوا على الضغوط التي تُمارَس لتعيين خريج آداب أو كيمياء أو تاريخ في الهيئة، وهي أحد أسباب الحملة التي تُشَنّ عليها من بعض السياسيين والناشطين، وهي صلاحيات للقائمين على الهيئة لا يمكن أن ينازعهم فيها أحد أو يعطلها أو حتى ينقضها إلا وفقاً لنص قانوني واضح ونافذ، لذلك فإن عليهم أن يمضوا في إنجاز مهماتهم الحيوية للاقتصاد الوطني دون أن يلتفتوا إلى الفزعات الجاهلية.