تحت تماثيل القرون الوسطى في دار البلدية في بروكسل، تعالى التصفيق حين أعلنت قناة "سي إن إن" (CNN) أن الانتخابات الرئاسية الأميركية صبّت في مصلحة باراك أوباما في حوالي الساعة الخامسة والنصف فجراً من يوم 7 نوفمبر. ثم اتسع نطاق الاحتفالات وشرب البعض النبيذ، إذا كانوا يستطيعون استهلاكه في تلك الساعة المبكرة، بعد أن اعترف رومني بالهزيمة وألقى أوباما كلمته.

Ad

 شكلت هذه النتيجة في المقام الأول مصدر راحة للشخصيات البارزة التي دُعيت لحضور ليلة الانتخاب مع ثلاثة سفراء أميركيين (من بلجيكا وحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي) في "عاصمة أوروبا" المزعومة.

في أوساط الأوروبيين، ربما لم يحقق أوباما ما طرحه في الخطاب الذي ألقاه في برلين في عام 2008 أو لم يثبت أنه يستحق جائزة "نوبل" للسلام التي حصل عليها في مرحلة مبكرة بعد سنة، ولكنه ساهم حتماً في إعادة ترسيخ مكانة الولايات المتحدة بعد سنوات عهد بوش. إذا سُئل الأوروبيون عن رأيهم، فهم سيختارون في معظمهم عدم إحداث أي تغيير في الوضع. تبدو سياسات أوباما مألوفة ومطمئِنة. في المقابل، تبدو آراء ميت رومني حول تخفيض الضرائب ودور الحكومة، ولا ننسى الميول الدينية والاجتماعية عند بعض الجمهوريين، غريبة بالنسبة إلى قارة تُعتبر فيها الرعاية الاجتماعية السخية مؤشراً إيجابياً. كما أن خطابه العدائي تجاه روسيا والصين وإيران أحبط الأوروبيين الذين يفضلون السلام والتحاور المتعدد الأطراف.

لكن شعر الكثيرون بالقلق، لأن أحداً لم يذكر أوروبا خلال الحملة الانتخابية. يعكس هذا الواقع شيئاً من اللامبالاة وشعوراً بـ"حب بلا مقابل". خلال السنوات الأربع الماضية، شعر الأوروبيون أن حبهم لأوباما لم يكن متبادلاً. لكنهم فضلوا عدم تأييد مرشح جمهوري لا يذكر أوروبا إلا للتحذير من الكارثة الاقتصادية المرتقبة كما حصل حين قال إن العجز سيجعل الولايات المتحدة تسير على خطى اليونان.

بالنسبة إلى بعض القادة الأوروبيين، جاء فوز أوباما ليبثّ فيهم الراحة والثقة باحتمال إعادة انتخابهم رغم الأزمة الاقتصادية. في ملف السياسة الخارجية، ثمة أمل في أن يقترب الرئيس في ولايته الثانية من آراء الأوروبيين حول الشرق الأوسط أو التغيير المناخي. في نهاية المطاف، حتى جورج بوش المكروه عمل جاهداً لرأب الصدع مع أوروبا خلال ولايته الثانية بعد الإحباط الذي ساد بسبب حرب العراق.

بالنسبة إلى بعض الأميركيين، يثبت الحديث الأوروبي عن الإهمال الأميركي مدى نرجسية الأوروبيين وحجم اتكالهم على الولايات المتحدة. من المعروف أن أوروبا في معظمها هي قارة حرة ويعمّها السلام. لكن من وجهة نظر واشنطن، لا تتعلق المسألة الأساسية بضرورة أن تقلق الولايات المتحدة بشأن أوروبا بل بمعرفة كيف يمكن أن تساعد أوروبا الولايات المتحدة في العالم.

قد يخطط أوباما لفرض تخفيضات إضافية في قطاع الدفاع، لكن تشعر إدارته بالقلق من تراجع إمكانات أوروبا العسكرية. تطلبت الحرب الجوية في ليبيا (على عتبة أوروبا) مساعدة جوهرية من الولايات المتحدة، حتى لو أعلن أوباما أن بلده كان يتحرك "من وراء الكواليس". قد يكون أوباما أكثر حذراً من رومني أو إسرائيل بشأن التحرك العسكري بهدف منع إيران من كسب أسلحة نووية. لكن إذا اعتبر أوباما أن العقوبات فشلت في ردع إيران، فما عدد الأوروبيين الذين سينضمون إليه لمهاجمة الجمهورية الإسلامية؟ يشعر الأوروبيون بالقلق بسبب تركيز أوباما المستجد على آسيا، لكن قد يلحظ هذا الأخير وجود دعم أوروبي محدود للجهود الأميركية الرامية إلى طمأنة الدول المجاورة للصين.

لاشك أن الولايات المتحدة لم تفكّ التزامها على الجبهة الاقتصادية. راجعت مؤسسة "بروغل" البحثية في بروكسل جدول تيم غيثنر، وزير الخزانة الأميركي، لتقييم مدى تسارع إيقاع الاجتماعات والاتصالات الهاتفية مع الشخصيات الأوروبية خلال أزمة اليورو. بالنسبة إلى غيثنر، يعني الاتصال بأوروبا الآن التواصل مع البنك المركزي الأوروبي في المقام الأول. تلقى هذا الوزير أيضاً دعوة لحضور اجتماع غير رسمي لوزراء مالية أوروبا في بولندا في السنة الماضية. على غير عادة، وجد أوباما نفسه مسيطراً على قمة مصغرة للقادة الأوروبيين خلال اجتماع مجموعة العشرين في مدينة كان، حيث حاول إقناع ألمانيا بتعزيز جدار الحماية لمنطقة اليورو ولكنه فشل في مساعيه.

حثت الولايات المتحدة في عهد أوباما الدول الأوروبية على التصرف بجرأة أكبر عبر الامتناع عن طرد اليونان من منطقة اليورو والاتجاه نحو ترسيخ التكامل. كذلك، دعت الولايات المتحدة ضمناً بريطانيا لمتابعة مشاركتها بشؤون الاتحاد الأوروبي.

 على صعيد آخر، عرض أوباما، من خلال سياساته المحلية، حلاً بديلاً لسياسة التقشف المستمرة. في هذا الملف تحديداً، قد لا تساهم إعادة انتخابه في مساعدة ألمانيا على تطبيق مقاربتها. لن يعارض بعض الأوروبيين، لفترة معينة على الأقل، تحوّل تركيز الأسواق إلى المأزق المالي الأميركي.

شريك ضروري حتى الآن

بسبب التقلبات السياسية العالمية (التي تشبه الأحداث الجيولوجية تحت الأطلسي)، قد تتباعد الولايات المتحدة وأوروبا تدريجاً. لكن العلاقة القائمة بين الفريقين لاتزال الأقرب والأغنى في العالم. هي تساوي نحو نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي وثلث التجارة، وهي ركيزة أهم تحالف عسكري في العالم.

إذا كانت الولايات المتحدة البلد الذي لا يمكن الاستغناء عنه، فيجب أن يكون الأوروبيون الشركاء الذين يصعب الاستغناء عنهم أيضاً. لقد تبخر مفهوم القوة الأميركية العظمى في العراق، ثم تبخر في اليونان الوهم القائل إن الاتحاد الأوروبي قد يمارس "سلطة معيارية" عبر التكامل الاقتصادي. لاتزال الولايات المتحدة تتصل بالأوروبيين قبل غيرهم عند وقوع أي أزمة دولية. في زمنٍ يشهد فيه العالم الغني اضطرابات كثيرة، تحتاج أوروبا والولايات المتحدة إلى بعضهما: إذا لم يكن هذا الأمر ضرورياً في مجال الدفاع المشترك، فهو ضروري حتماً لضمان التعافي المشترك.

يمكن تحقيق النمو وتوفير فرص العمل عبر التشجيع على اتفاق تجاري حر لايزال اليوم في المرحلة الاستكشافية. تتصور اللجنة الأوروبية أن اتفاقاً واعداً من هذا النوع قد يقوي التجارة العابرة للأطلسي بنسبة 50 في المئة تقريباً. إنه أمر يستحق العناء. تراجعت معظم الرسوم منذ الآن، لكن يمكن تخفيضها أكثر بعد أو إلغاؤها بالكامل. سيصعب تجاوز الحواجز التنظيمية أو التدابير الأخرى التي لا تتعلق بالرسوم، لأنها تطاول أموراً مثل سلامة الأدوية والأغذية.

يبدو أن الميثاق المرتقب بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هو واحد من اتفاقيات التجارة الحرة القليلة التي تريدها جميع الدول الأوروبية، وتؤيد الشركات الكبرى على جانبي المحيط هذا المطلب، وسيساهم هذا الاتفاق أيضاً في توفير مؤشر قوي على تجدد مفهوم التجارة الحرة والعلاقة العابرة للأطلسي.