إذا كانت الأغلبية الحالية تمارس نوعاً من التهميش السياسي لنواب الأقلية، فإن المجموعة الثانية تمارس ذات السلوكيات التي كانت تعتبرها من الكبائر والمحرمات في مجلس 2009، وهذا ما يجعل المجلس وبالتبعية الحكومة والبلد برمته تدور في نفس الدائرة المغلقة لتبقى معها الكثير من المشاكل والهموم الشعبية راكدة ومعطلة.

Ad

سلسلة الاستجوابات التي بدأت برئيس مجلس الوزراء ثم الوزراء الشيوخ كأولوية سياسية، وبعدها قد يأتي الدور على وزراء عامة الشعب في المجلس الحالي هي أشبه ما تكون بمنزلة الفواصل الإعلانية في برنامج سياسي طويل نسبياً على شاشة التلفزيون، وكما توقعنا مع ظهور نتائج الانتخابات الأخيرة بأن الأقلية البرلمانية الحالية، وجلها من أنصار الرئيس السابق، ستتقمص دور المعارضة في المجلس السابق من أجل إسقاط الحكومة، أو حتى العمل على حل مجلس الأمة لعل وعسى تتغير التركيبة العددية، أو تتبدل الرموز السياسية سواء في البرلمان أو في الحكومة خصوصاً رئيسي الوزراء ومجلس الأمة.

فالأقلية البرلمانية ذابت تماماً في المجلس الحالي على مستوى اللجان أو النشاط التشريعي، أو حتى على مستوى النقاش تحت قبة "عبدالله السالم" بما في ذلك نقاط النظام، وبالتأكيد لا يمكن لهذه القلة الصغيرة أن تضاهي أو تنافس الأغلبية الساحقة في المجلس لا من حيث العدد ولا من حيث الخبرة والكفاءة الشخصية، ولهذا فإن التنفس الوحيد لها هو عبر بوابة الاستجوابات رغم درايتها بأن هذه الاستجوابات لا تغني ولا تسمن من جوع، بل لا تصل حتى إلى مرحلة طرح الثقة، ولكنها كافية لإثبات الوجود أولاً والحصول على وقت للحديث والبدء بضرب الحكومة، ولو بضربات غير موجعة، ليحسب لها إجراء أي تعديل وزاري كما هو العادة بعد بضعة شهور، وفي نفس الوقت، فإن هذه الاستجوابات جزء من تسديد الفواتير السياسية لأصحاب الفضل على النواب المستجوبين ولو إعلامياً.

وإذا كانت الأغلبية الحالية تمارس نوعاً من التهميش السياسي لنواب الأقلية، فإن المجموعة الثانية تمارس ذات السلوكيات التي كانت تعتبرها من الكبائر والمحرمات في مجلس 2009، وهذا ما يجعل المجلس وبالتبعية الحكومة والبلد برمته تدور في نفس الدائرة المغلقة لتبقى معها الكثير من المشاكل والهموم الشعبية راكدة ومعطلة، ويبقى أصحاب النفوذ و"لهّامة" المناقصات والإدارة الفاسدة هم المستفيدون الأوائل والأخيرون من حالة الضياع السياسي، وتبدل المواقع لنواب الأمة بسبب خلافاتهم وخصوماتهم الشخصية.

ولكن مهما كانت دوافع الاستجوابات المعلنة والمنتظرة ومحاورها الركيكة والمدفوعة الأجر، فإنه يجب على الحكومة أن تنظر إليها بشيء من الجدية وتعلن مراجعتها ومعالجة الأخطاء والتجاوزات المثارة فيها إن وجدت، فقد يكون لذلك أثر إيجابي في إصلاح ولو جزء من إمبراطورية الفساد الحكومي المتعدد الألوان والأشكال، وحتى تكون هذه "البريكات" الإعلانية ذات فائدة على الأقل لجمهور المشاهدين، خصوصاً "الغلابة" منهم والبسطاء من ضحايا المعارك السياسية المستمرة قبل أن يعلن الرئيس بعد كل ثلاث جلسات "فاصل ونواصل"!