نحن نمر الآن بمرحلة مفصلية من تاريخنا الحديث، فإما أن نرجع إلى «المشيخة» بإلغاء الدستور، وإما أن نتصرف كمواطنين محبين لهذا الوطن، ونغتنم هذه الفرصة التاريخية التي فرضها القضاء لتفعيل الدستور، فننهي عهداً تم فيه تغييب الدستور وانحدرنا فيه إلى الحضيض.

Ad

إن خطورة وضعنا هذا هي ما نشاهده من ضياع تام للفهم الصحيح لما نحن فيه. وأصبح شعار «الدوائر الخمس» هو الحل السحري العجيب لما نعانيه من فوضى عارمة، وننسى أننا عندما طرحنا شعار «نبيها خمس» كان لتوسعة الدوائر الانتخابية بتحويلها من 25 إلى خمس، لنقلل من تأثير تدخلات السلطة في الانتخابات من خلال الرشوة المباشرة وغير المباشرة، عن طريق تسهيل الخدمات للأتباع وظهور نواب الخدمات، وكذلك للتقليل من نقل الأصوات وشرائها، لأننا لم نكن قادرين على منع هذه المخالفات كلياً، وقد اتضح أن نظام الدوائر الخمس، بعد تطبيقه، لم يمنع وصول الكثيرين من هؤلاء إلى المجلس عامي 2009 و2012.

هذا التدخل قد امتد عقوداً كثيرة، فمنذ عام 1967 وهو يوفر للنظام أغلبية مريحة في كل المجالس المتعاقبة.

الأغلبية البرلمانية في مجلس 2012، على الرغم من أنها قدمت بعض المشاريع الجيدة التي "قُبرِت" في اللجان البرلمانية، لا تزال تهدد وتتوعد إذا تم المساس بالدوائر الخمس التي أنجبت مجلس 2009 ومجلس 2012.

الله يسامحكم، لقد أسقطتم شعار "إلا الدستور" واستبدلتموه بشعار "إلا الدوائر الخمس" استجابة لرغبات البعض منكم، التي لا تؤمن بالدستور ولا بالحريات العامة، لأن لها دساتيرها الخاصة. وهذا كان واضحاً في الإنجازات التي حُققت في الأشهر الفعلية من عمر هذا المجلس، الأولويات كانت لإلغاء الدستور وفرض وصاية حزبية على السلطات جميعها، وتكبيل الحريات العامة والخاصة، بدلاً من التركيز على إنقاذنا من المستنقع القذر الذي نعيشه. فهل الهدف هو الوصول إلى المجلس بأي ثمن؟... إذن، ما العمل؟

الاحتمالات:

1- يمكن أن تنأى المحكمة بنفسها عن الدخول في صراع سياسي بين الحكومة والمجلس، وتقول إن هذا الشأن ليس من اختصاصها، وهذا معناه تثبيت الدوائر الخمس وإجراء انتخابات بعد حل مجلس 2009، سواء كان الحل من قبل أعضائه بامتناعهم عن تنفيذ قرار المحكمة الدستورية، أو بإجراء حكومي منفرد، فنعود إلى المربع الأول الذي ذقنا طعمه المر.

2- الطعن في دستورية الدوائر الخمس، ودعوة الحكومة والمجلس إلى إيجاد تقسيم جديد. ولكن كيف يتم ذلك من دون وجود مجلس أمة، ما لم تقُم بذلك الحكومة منفردة؟ وهذا يناسبها تماماً لتفصّل الوضع كما تراه مناسباً لها.

3- الاحتمال الثالث، أن يمتد الأخذ والرد في هذا الموضوع وقتاً أطول مما يحدده الدستور، فنصل إلى مرحلة غير دستورية. وهنا يمكن أن تتحقق مخططات البعض في السلطة، والمعروف عداؤهم للدستور، والانقلاب عليه لننجرّ إلى صيغة مشابهة لما هو موجود في مجلس التعاون الخليجي، أي مجلس فاقد الصلاحية والفاعلية. وهذا يستهوي "الحرامية" وما أكثرهم، وكذلك الأحزاب الدينية المعادية لدستور 1962.

إن معظم الاحتمالات المطروحة كارثية بكل معنى الكلمة، فهل نستسلم؟ بالطبع لا؛ فالكويتيون يؤمنون بأن الديمقراطية هي الحصن الأمين الحامي للبلد، شعباً ووطناً، وهو قادر على حماية الديمقراطية كما حصل أكثر من مرة.

ولتجاوز هذه الأزمة، المطلوب أخذ المبادرة لإعادة المسيرة الديمقراطية الدستورية إلى طريقها الصحيح، وإنهاء مرحلة «المشيخة» التي نعيشها، والتي ألغت الدستور والقوانين وشلّت السلطات الدستورية كلها منذ عقود عدة.

بعد انتفاضة القضاء بفرض احترام الدستور، ينبغي على نواب مجلس 2009 المؤمنين بالدستور وبالديمقراطية الامتثال لقرارات المحكمة الدستورية، وتشكيل كتلة مهمة لممارسة حقهم الدستوري كما طلبت منهم المحكمة الدستورية، وكذلك الاتفاق على برنامج محدد للإصلاح يلتزمون ويلزمون الحكومة به، لتكون له الأولوية في الإنجاز، ويقتصر عمل المجلس على إقرار هذا الجدول فقط، ورفض مناقشة أي موضوع آخر قبل إنهاء المهمات التالية:

1- قانون لاستقلال القضاء التام ليتحرر من كل التدخلات والضغوطات.

2- تشكيل هيئة مستقلة للانتخاب تشرف على العملية الانتخابية برمتها، من أشخاص يحظون باحترام الأمة، ولا ينتمون إلى أي مجموعة سياسية.

3- إقرار قانون يسد كل الثغرات التي يمكن أن يستغلها "حرامية" المال العام، من قبيضة وغيرهم، ممن اعتدوا على أراضي الدولة بالتواطؤ مع بعض المسؤولين لحماية أنفسهم.

4- اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتنظيم العمل في أجهزة الدولة وشركاتها، ليحتل المؤهَّلون الشرفاء المراكز القيادية التي يستحقونها، ووضع حد لتدخل المتنفذين لمصلحة الأتباع والحرامية.

إن هناك مجموعة طيبة من نواب المجلسَين قادرة، إن تعاونت، على أن توضح للحكومة أنها مستعدة لتنفيذ قرار المحكمة الدستورية، إن هي وافقت على هذا البرنامج. أما إذا رفضت الحكومة ذلك، فعليهم أن يقدموا استقالتهم فوراً من المجلس ليتحمل النظام وحده مسؤولية الوضع البائس الذي نعيشه.

وهنا يقوم الشعب، صاحب السلطة العليا في البلد، بممارسة حقه في الدفاع عن الدستور والنظام الديمقراطي بجميع الوسائل السلمية التي حددها الدستور، من تجمعات واعتصامات ومسيرات وإضرابات وغيرها، في كل موقع، وفي كل منطقة، وفي كل ساحة.

إن تلبية هذه المطالب من أعضاء المجلس الشرفاء والحضور إلى المجلس يمنعان أعداء الدستور والديمقراطية من حجة حصول فراغ دستوري يسمح لهم بالقضاء على التجربة الديمقراطية كلها.

بالطبع تطبيق هذا البرنامج يستغرق بعض الوقت من المجلس، وخصوصاً تشكيل الهيئة العليا للانتخاب التي لابد من الاستماع إلى الآراء التي قد يتقدم بها المختصون في هذا المجال.

وهنا يأتي دور الشباب ليقودوا هذه الحملة، بدل أن يُقادوا من قِبَل عناصر لا تؤمن بالديمقراطية والدستور، ولا الحريات العامة، ولا تحترم كرامة المواطنين وخصوصياتهم.