نتذكّر حيفا

تظل قضية المناهج التعليمية في الدول ذات النزاعات السياسية، أو تلك المحتلّة، كما هي الحال في فلسطين محلّ نزاع دائم، فالمحتل أو صاحب السلطة على أرض الواقع يسعى إلى فرض رؤيته للتاريخ بحسب ما يشتهي، ومن ثم يحشو أدمغة التلاميذ بكل ما هو متوافق والدولة الجديدة على أرض الواقع، والغريب أن التعليم في فلسطين، وخصوصا الجانب التاريخي منه لم ينل عناية كافية أو لم يؤخذ به في المنظمات الدولية، في حين تتبجّح هذه المنظمات بادعائها أن مناهج الفلسطينيين مليئة بكل ما هو محفّز للحقد والكراهية ضد دولة إسرائيل، الأمر الذي يردده الإسرائيليون في المؤتمرات الدولية، ويأخذ به الغرب في غالب الأحيان. ينسى هؤلاء أو يتناسون أن الشعب الفلسطيني الذي هُجّر عن مدنه وقراه بعد نكبة 48، لم يكن يملك حتى منهاجا تعليميا واضحا، وبحسب الباحث د. سليمان جبران، فإن الضفة الغربية وحتى وقت قريب كانت خاضعة لمناهج التعليم الأردنية، وأما قطاع غزة، فقد كان يأخذ بالمنهج المصري، حتى تمت اتفاقيات أوسلو، وتحققت للفلسطينيين دولة، ووزارة تعليم تشرف على وضع المناهج، وبرغم ذلك كانت المناهج محلّ نزاع، وجدل مستمر، ولكن ماذا عن الجانب الإسرائيلي؟تتجاهل منظمات حقوقية ودولية عامدة، ذلك الكم الهائل من الحقد والكراهية تجاه العرب والفلسطينين الذي "تُلغّم" به أدمغة أطفال إسرائيل من خلال المناهج التعليمية التي تُصر على السمة الدينية للدولة، ومرجعية "التلمود" في كل القضايا التاريخية، وكذلك الجغرافية، بما يكون كفيلا أو مساعدا على محو الهوية الفلسطينية على المدى البعيد.لماذا تخشى إسرائيل غسان كنفاني إلى هذا الحد؟، لماذا تتشددّ كذلك إزاء نصوص الشاعرة الفلسطينية الراحلة فدوى طوقان؟ هل يفعل الأدب فعلته، في مقابل تهاون السلاح، أو تخاذله فيما يتعلّق بالقضية الفلسطينية.بعد نكبة 1948 سوّيت مدن فلسطينية كثيرة بالأرض، زالت أو كادت تزول ملامحها، باستثناء حيفا التي نتذكرها، من النص الروائي "عائد إلى حيفا"، هكذا خلّد كنفاني هذه المدينة، وأثبت أن لها جذورا تاريخية فلسطينية، حتى وإن حاولت إسرائيل محوها، نقرأ شطرا من حياة درويش، وكنفاني، وطوقان، فنتذكر حيفا، ويافا، وعكاّ، وبقية المدن الفلسطينية، هكذا برغم إسرائيل، ألا يحق لها أن تقلق إزاء نصوص كنفاني...؟