تداولت وكالات الأنباء قبل أيام عدة خبراً مفاده أن وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية قررت إلغاء إحدى قصص الأديب الفلسطيني الراحل غسان كنفاني من مناهجها الدراسية. الخبر قد لا يبدو جديدا، فمنذ سنوات عديدة ونحن نقرأ ونتابع أخبارا مشابهة، بعضها يتعلّق بالشاعر الفلسطيني محمود درويش، الذي يشكل عصب الفكرة ومحورها الأساسي، ما بين مؤيد لشعره، ومخوّن له حتى من الدارسين العرب أنفسهم، فحين قُررت إحدى قصائد درويش، على المناهج الإسرائيلية أثيرت عاصفة سياسية، كان وراءها بالطبع اليمين الإسرائيلي المتطرّف، كان ذلك قبل اثني عشر عاما وفي حياة الشاعر ذاته، ونالت السهام في تلك الحقبة وزير التعليم ذي الميول اليسارية يوسي ساريد، واهتزت حكومة إيهود باراك في حينها.
بالعودة إلى غسان كنفاني، يبدو الجانب الإسرائيلي، أكثر تشددا إزاء هذا الرجل الذي شغل الدولة العبرية، بمؤلفاته الأدبية، ونشاطه في الجانبين السياسي، والصحافي، وكذلك إمساكه بزمام المبادرة في كل ما يتعلّق بالقضية الفلسطينية، رغم حياته القصيرة، ومعاناته مع المرض، والتنقل من مكان إلى آخر. ففي الوقت الذي يمكن أن تَقبل إسرائيل بفكرة مناقشة قصائد الشاعرين محمود درويش، وسميح القاسم، وكذلك توفيق زيّاد، وإدراجها ضمن مناهج اللغويات، نجدها ترفض بشدة أي شيء يتعلّق بنصوص غسان كنفاني. أإلى هذا الحد يُقلق كنفاني إسرئيل، حتى بعد رحيله؟تظل قضية المناهج التعليمية في الدول ذات النزاعات السياسية، أو تلك المحتلّة، كما هي الحال في فلسطين محلّ نزاع دائم، فالمحتل أو صاحب السلطة على أرض الواقع يسعى إلى فرض رؤيته للتاريخ بحسب ما يشتهي، ومن ثم يحشو أدمغة التلاميذ بكل ما هو متوافق والدولة الجديدة على أرض الواقع، والغريب أن التعليم في فلسطين، وخصوصا الجانب التاريخي منه لم ينل عناية كافية أو لم يؤخذ به في المنظمات الدولية، في حين تتبجّح هذه المنظمات بادعائها أن مناهج الفلسطينيين مليئة بكل ما هو محفّز للحقد والكراهية ضد دولة إسرائيل، الأمر الذي يردده الإسرائيليون في المؤتمرات الدولية، ويأخذ به الغرب في غالب الأحيان.ينسى هؤلاء أو يتناسون أن الشعب الفلسطيني الذي هُجّر عن مدنه وقراه بعد نكبة 48، لم يكن يملك حتى منهاجا تعليميا واضحا، وبحسب الباحث د. سليمان جبران، فإن الضفة الغربية وحتى وقت قريب كانت خاضعة لمناهج التعليم الأردنية، وأما قطاع غزة، فقد كان يأخذ بالمنهج المصري، حتى تمت اتفاقيات أوسلو، وتحققت للفلسطينيين دولة، ووزارة تعليم تشرف على وضع المناهج، وبرغم ذلك كانت المناهج محلّ نزاع، وجدل مستمر، ولكن ماذا عن الجانب الإسرائيلي؟تتجاهل منظمات حقوقية ودولية عامدة، ذلك الكم الهائل من الحقد والكراهية تجاه العرب والفلسطينين الذي "تُلغّم" به أدمغة أطفال إسرائيل من خلال المناهج التعليمية التي تُصر على السمة الدينية للدولة، ومرجعية "التلمود" في كل القضايا التاريخية، وكذلك الجغرافية، بما يكون كفيلا أو مساعدا على محو الهوية الفلسطينية على المدى البعيد.لماذا تخشى إسرائيل غسان كنفاني إلى هذا الحد؟، لماذا تتشددّ كذلك إزاء نصوص الشاعرة الفلسطينية الراحلة فدوى طوقان؟ هل يفعل الأدب فعلته، في مقابل تهاون السلاح، أو تخاذله فيما يتعلّق بالقضية الفلسطينية.بعد نكبة 1948 سوّيت مدن فلسطينية كثيرة بالأرض، زالت أو كادت تزول ملامحها، باستثناء حيفا التي نتذكرها، من النص الروائي "عائد إلى حيفا"، هكذا خلّد كنفاني هذه المدينة، وأثبت أن لها جذورا تاريخية فلسطينية، حتى وإن حاولت إسرائيل محوها، نقرأ شطرا من حياة درويش، وكنفاني، وطوقان، فنتذكر حيفا، ويافا، وعكاّ، وبقية المدن الفلسطينية، هكذا برغم إسرائيل، ألا يحق لها أن تقلق إزاء نصوص كنفاني...؟
توابل
نتذكّر حيفا
09-12-2012