ريما كركي: قمة الوقاحة في حجب الحقائق
جريئة ومغامرة، كاتبة لبنانية رومنسية حينًا وإعلامية متمرّدة وقوية حينًا آخر. فرضت بمصداقيتها وضبطها إيقاع برامجها أسلوبًا إعلاميًا جديدًا في معالجة قضايا اجتماعية مع ضيوف من أطياف وأهواء مختلفة... إنها ريما كركي، مقدمة برنامج «بدون زعل» على شاشة «المستقبل» التي تدرك متى يحين موعد الانسحاب لتبقى برامجها صورة استثنائية في ذاكرة المشاهدين. عن برنامجها وشغفها بإعلام حرّ من دون حدود تحدثت إلى «الجريدة».
في ظل الكمّ الكبير من البرامج الحوارية، هل ابتكر «بدون زعل» مساحة خاصة به؟
شعار البرنامج «هذا رأيي وهذا موقفي من هذا الموضوع»، كشف أحلى ما في شخصية الضيف، أي مزيج من القوة والضعف. يدخل ضيوفه الأربعة إلى الاستوديو معًا ويغادرونه معًا من دون أولوية لأحد على آخر، سواء كان سياسيًا أو ممثلاً أو صحافيًا أو ناشطًا في أي مجال، لمناقشة قضايا اجتماعية وسياسية مطروحة، كمواطنين عاديين خارج عباءات اختصاصاتهم، ومن دون التطرق إلى انجازاتهم الخاصة أو مشاريعهم الشخصية.ما أبرز ما يميّز «بدون زعل»؟مناداة الضيوف باسمهم الأول، عدم تركيزه على الأسماء المستهلكة، استضافة شخصيات مهمة في المجتمع ومجال الأعمال، أطلوا للمرة الأولى على جمهور الشاشة من خلاله، لتكرّ السبّحة ويُطلبون بعدها كضيوف في برامج تلفزيونية أخرى. أحلى ما في «بدون زعل» أن مضمونه جديد، لا دعاية لعمل أو لشخصية بل نقاش ومواقف...كيف تقيّمين ردود الفعل عليه؟جديدة إذ استقطب بفضل مصداقيته الأطراف السياسية كافة للمشاركة فيه، وأفتخر أنه ضمّ سياسيين وإعلاميين من توجهات مختلفة في ظل الخلاف الحاد في لبنان، ما حدا بإعلاميين آخرين إلى تلوين برامجهم بضيوف من أطياف متنوعة بعدما كان «بدون زعل» سبّاقًا في هذا الإطار.هل يمكن القول إنه شق طريقاً خاصة في مجال البرامج المنوعة؟بالطبع، حتى إن البعض حسّن إعداده بعد «بدون زعل»، ثم هو أول برنامج يستضيف صحافياً لينتقد الحلقة خلال مسارها بكل شفافية، ويؤدي فيه الضيف دور الإعلامي لفقرة كاملة. عدا عن أننا أول برنامج يستضيف مجموعات من فئة واحدة: كوميديون، سياسيون، رجال دين... وقد تم تقليدنا بعد ذلك.يستغرب البعض إبداء رأيك في النقاش من دون الاكتفاء بطرح الأسئلة، ما ردّك؟تصبح الموضوعية في مناقشة قضايا حياتية واجتماعية غير قابلة للحياد أساسًا «بايخة وباردة»... وقد ساعد عدم اتباعها في ابتكار جو مختلف عما هو سائد في البرامج التلفزيونية المعروفة، ومن استغرب ذلك وانتقد، عاد وتبنّاه...لا بدّ من الخروج من «اللاموقف» بحجة الموضوعية التي «تغدو كذبة كبيرة» عندما تكون القضية المطروحة تخصنا جميعاً. لا أقصد الـ «توك شو» السياسي حيث الموضوعية ضرورة للمحاور. أما في طبيعة برنامج على غرار «بدون زعل» فلا يمكن أن أطلب من ضيوفي إبداء موقف أو رأي صادق إذا جلست أنا كالثلاّجة أمامهم بحجة الموضوعية المحترفة.لاحظنا أن «جينريك» البرنامج يدرج كلمة إعداد بدل من إعداد وتقديم، ويأتي بعدها اسمك منفرداً، ما المقصود؟الكل يعرف من يقدم البرنامج فذلك ظاهر على الشاشة، لذا أكتفي بكلمة إعداد، وقلّة تعدّ أسئلتها بنفسها، لذا أعتبر أن هذا ما يستحق إبرازه. فأنا لم أسأل يوماً سؤالا من صنع غيري... وهو أمر ليس سائداً في البرامج الإعلامية، في حين تكون عبارة «إعداد وتقديم»، أحياناً، بمثابة قيمة لتضخيم إعلامي لا يصنع المادة التي يقدمها.ما حدود الجرأة برأيك؟عندما تخدم الجرأة الموضوع يجب أن تختفي حدودها، وعلى الطرح أن يكون جديداً لأن من الصعب إرضاء المشاهد...ظهرت في إحدى الحلقات من دون ماكياج، ما السبب؟طرحت موضوعاً عن فرضية أنه في حال غياب الماكياج وعمليات التجميل، هل كانت أحكامناعلى بعضنا البعض هي نفسها؟ ولمزيد من المصداقية بدأت الحلقة بماكياج ومن ثم أزلته على مرأى من ضيوفي، لكسر الشرخ بين الطرح والشكل. من ثم لا أقدم نفسي على أنني إعلامية جميلة، وليست هذه الصفة التي أسعى إلى أن ترتبط باسمي، ولا أنافس بشكلي فهذا من صنع ربي... للجمال المستمر أسلحة أبعد من الوجوه المرسومة...هل جرأتك هذه لإثبات أن الجمال الخارجي ليس الأساس في الإعلام التلفزيوني؟ليس الجمال معيارًا لإثبات مدى نجاح الإنسان أو مدى القيمة التي ينجز فيها عمله. هو جواز أساسي في عصرنا هذا ربما لجذب المشاهد للوهلة الأولى، إنما ليستمر الانجذاب يجب أن يتوافر المضمون الجيد.كونك كاتبة أيضًا، إلى أي مدى يتكامل العمل الإعلامي مع الكتابة وهل تقولين في أحدهما ما لا تبوحين به في الآخر؟أنا إنسانة شفافة أبدي رأيي بالأمور كافة بصدق وصراحة بغض النظر عن أثمان الصدق المكلفة أحياناً، لأن الصمت يقتلني والحدود تخنقني والدبلوماسية ليست لعبتي. أشبه نفسي في الأماكن كافة، سواء في البرنامج أو بين أوراقي أو في مجتمعي.إلى أي مدى تتأثرين بآراء ضيوفك؟الحياة مدرسة بحد ذاتها يكتسب فيها الإنسان معرفته متأثرًا بكل ما يحيط به، لذلك كل تجربة نختبرها إما تحدث تحولا معينًّا في حياتنا أو تغيّر نظرتنا لبعض المسائل، والتغيير جرأة بحد ذاته، قد تدفعنا إلى التمسك أكثر بقناعتنا حتى النهاية وهذه جرأة أيضًا.ماذا اكتسبت من هذا البرنامج خصوصًا لجهة الأحكام المسبقة على الضيوف؟كلنا نعاني مرض الأحكام المسبقة ولكن بدرجات. ثمة من يحكم بقساوة مطلقة على الآخر من دون معرفة عميقة به لانطباعات عنه تكون غير كافية. علمني هذا البرنامج أن أستمع بصبر أكبر، وألا أحكم على أحد من لا شيء. المظاهر تخدع، وكلما زادت أحكامنا على الآخرين زاد مؤشر مرضنا نحن وزادت ضرورة معالجة أنفسنا أولاً.تعاني المطبوعات في العالم أزمة على صعيد نسبة قرائها، فإلى أي قارئ تتوجهين في كتاباتك؟عندما أكتب لا أفكر إلى من سأتوجه، وما إذا كنت سأطبع الكتاب أم لا، بل أعبر عما في بالي من ثورة أو غرام أو تحدٍ أو غضب أو شغفّ. الكتابة، كما ذكرت في كتابي الأول «الليلة سأعترف»، مثل ممارسة الحب بحب، حينها لا يفكر المرء بالنتائج إنما يعيش رغبة لا يريد أن تنتهي، بل تكرارها واستمراريتها والإستمتاع بها مع من يحب. هاجسي أن أعبّر وأخرج ما في داخلي، والحمد لله حقق كتابي الأول نجاحًا. هل تتلقين اتصالات وردود فعل على صعيد الجمهور العربي؟حقق «بدون زعل» ضجة محليًا وعربيًا، فحمّس ضيوفًا لطلب المشاركة في أكثر من حلقة، وعبّد نجاحه الطريق أمام استضافتنا لأناس يصعب اقناعهم عادة بالمشاركة في برامج تلفزيونية. أظنّ أنه لو توافرت الإمكانات لدى محطاتنا التلفزيونية المحلية، لاستقدمنا ضيوفًا من الخارج لتقديم البرنامج بطريقة مختلفة.ألا تشكل مصداقيتك عاملا إضافيًا في تشجيع الضيف على المشاركة؟يعشق الضيف برنامجاً لأسباب كثيرة، لكن لا شك في أن شفافية المقدم تساعد أيضاً. عندما انطلق هذا البرنامج تردد البعض في المشاركة بسبب جرأته في طرح المواضيع وضرورة إبداء الرأي بطريقة غير متوقعة وغير متعارف عليها. أما مع انطلاق الموسم الجديد، فصار الضيوف يتبارون حول من هو الأكثر جرأة.ماذا عن الخيط الرفيع بين الجرأة في طرح الأسئلة وبين الوقاحة؟تكمن قمة الوقاحة في حجب الحقائق! لم يكن يوماً دافع المعرفة وإن كان جريئاً جداً بمثابة الوقاحة، كون الأخيرة قائمة على عدم احترام الآخر ولا أحد يقبل بها، وهي رخيصة وفارغة ولا تعطي ثماراً. إنما السؤال الجريء باحترام والذي يحاصر في سبيل دفع الضيف إلى إجابة جميلة صادقة هو المطلوب وفي صالح الضيف أيضاً.ما نظرتك إلى واقع الإعلام العربي في ظل ما يتخبط فيه الشرق من أزمات وحروب؟سأكتفي بالحديث عن واقع الإعلام اللبناني الذي يشهد تخبطًا وعدم وضوح، فكل مقدمة للنشرة تقابلها مقدمة أخرى مسمومة وبعيدة عن الموضوعية البناءة في هذا المجال. كل تقرير يقابله تقرير مضاد، والكل لديه دلائل والكل مسيس والكل مشحون. صار الإعلام سلاحًا طائفيًا في لبنان للأسف، والإعلام الحر كذبة لأن السياسيين يلعبون به كما يشاؤون.دورنا أكبر من وحُولهم وزواريبهم الضيقة وعلينا خدمة المجتمع بطريقة نظيفة بعيدة عن سياسات الحقد والحقد المضاد. لا استغرب أن يكون السياسي طائفيًا، لكن الإعلامي ممنوع عليه أن يتورط في الطائفية فهو يؤثر في الناس، من حيث لا يدري، أكثر من الساسة.ألا تعتبرين أننا نعيش في مجتمع يحترم رأي الآخر؟الشعب اللبناني غير راضٍ عن أي شيء في البلد، وغالبيته لا تنتمي إلى أي فريق سياسي، لكنها لا تستطيع التعبير عن رأيها أو تكون فاعلة لإحداث تغيير مطلوب، وهي تحترم الآخر ولا تحكم عليه من منطلق انتمائه الطائفي أو السياسي أو المناطقي.دفعنا ثمن نزاعات داخلية تافهة، ولا أظن أن اللبناني يقبل بإعادة سيناريوهات أفلام الرعب التي تسكن ذاكرتنا. لكن لنثبت أننا لا نشبه مقولة «كما تكونون يولّى عليكم»، علينا عدم اعتماد الصمت موقفاً.وصف «بدون زعل» بأنه صورة مصغرة عن الصراع ووجهت انتقادات إليك بأنك تؤججين هذا الصراع بأسئلتك، ما ردك؟نحن ننمو بالصراع، نتبادل وجهات نظر، نقتنع، نبدل مواقع، نتعلم من الآخر، نستفيد من النقاش. اللون الواحد والوفاق الدائم لا يستفزان العقل لتشرّب المزيد. من ثم لا داعي للحلقة إذا كان للجميع وجهة نظر واحدة. إنه صراع مفيد وحضاري، وإذا كنت أساهم في إظهاره فلوضع المعطيات كافة على الطاولة وكي لا يبقى شيء ما في النفوس يجعل الحديث معلّبًا. لكنني أساهم في التهدئة إذا ما سادت الحدّة بعض المواضيع والتذكير بما هو مشترك وأساسي في النقاش. يبقى الصراع لعبة حلوة إذا كان بين حضاريين.كيف تتعاطين مع الرقابة في طرحك مواضيع جريئة؟عانيت شخصيًا من الرقابة، لذلك سألت رجال الدين الذين استضفتهم في البرنامج عن سبب تدخل بعضهم في مضمون الحلقات التلفزيونية. فضلاً عن أن ثمة حلقات صورتها وضعت على الرف لتضمنها كلامًا جريئًا، وتعرّضت أخرى لاجتزاءات طفيفة قبل العرض تفادياً، كما يقول القيمون، لبعض المشاكل التي قد تخلقها. لكنني ضد «ضبط الآراء»، فالرأي، مهما كان صاخباً، يعكس فكر صاحبه ومن حقنا أن نعبر وأن نختلف ما دام سقف الاحترام سائدًا... إلا أن ظروف المجتمع تحكم أحياناً بمراعاة بعض المسائل، وهذا ما يجعلني أسعى إلى مزيد من الاختراق.هل يدفع الإعلامي ثمنًا معينًا يعرقل مسيرته وتعبيره عن رأيه؟أدعم الرقابة في ضبط أي فلتان غير مقبول في المجتمع، لكنني أرفض فرضها على الطروحات الاجتماعية المنفتحة والديمقراطية التي تطرح الرأي والرأي الاخر، وتساهم في تقدم الناس وفكّ العقد المزمنة والتخلّص من الجهل. لذلك أسخر من عدم ضبط بعض مشاهد في نشرات الأخبار أو كلام بذيء بين السياسيين، وتحريضات بعض رجال الدين الذين يغيّبون الشؤون الاجتماعية ليتحولوا إلى ساسة هم أيضاً، وليتحول بعضهم إلى وسيلة تخريب بدل تسخير وقته لتسهيل حياة الناس. ليت من يراقب أخلاقياتنا في برامجنا الحرة الحضارية المنفتحة، يراقب نفسه أولا.هل تخشين من توقف برنامج «بدون زعل»؟أسعى شخصيًا إلى إيقاف برامجي في قمة نجاحها مثلما حصل مع برنامج «أنا وياك» منذ أربع سنوات، إذ اقتصر على 30 حلقة. قريبًا، سأوقف برنامج «بدون زعل» الذي وصل إلى قمة نجاحه، واستشهد بأحلام مستغانمي التي قالت: «كل شيء يتوقف في قمة نجاحه يكون استثنائيًا»، وأنا أرغب في جعل برامجي استثنائية.كشفت التجربة أن من لا يجيد الانسحاب في التوقيت الذهبي يخسر ويجتر نفسه ويؤذي صورة برنامجه. علينا ألا نغرق في نشوة النجاح فننسى أن الجمهور صعب وذكي ولا يجب أن يمل منّا.بعد نجاح «بدون زعل»، هل ستستمرين ضمن البرامج الحوارية أم ستغامرين بنوع جديد؟أحب التلوين في برامجي لذلك قد أتوجه إما إلى برنامج مجنون أو جريء. ثم للمغامرة طعم جميل، فالأشياء الجديدة دائماً مفيدة وأنا أحب اختبار قدرتي في أفكار جديدة غير مستهلكة.هل من جديد على صعيد الكتابة؟أكتب رواية، لكنني في قمة الكسل راهنًا.حكي عن دخولك مجال التمثيل، ما صحة ذلك؟لا مانع عندي إذا كان العمل المطروح يستحقّ المغامرة.بين رومنسية الكاتبة وواقعية الإعلامية، كيف تميزين بين الاثنتين؟لا يقتصر معنى الأنوثة على رومنسية المرأة الحالمة، بل تكمن قمة الأنوثة في حمل سيف الدفاع عن أرضها، لذلك أنا مزيج من جان دارك المقاتلة المدافعة عن قضيتها ومن جولييت الهائمة في حب لا حدود له مع روميو.ماذا تقولين للمرأة العربية؟يكفي صراخًا، حان وقت التمرّد.